كرم اتحاد وكالات الانباء العربية «فانا» خلال دورته الاخيرة التي انعقدت في الرياض في الحادي عشر من يناير الحالي ، مدير عام وكالة الانباء الكويتية السابق الشيخ مبارك الدعيج الابراهيم الصباح الذي ادار الوكالة قرابة عقدين من الزمان من بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم. شغل الدعيج المنصب في أصعب مرحلة مرت بها الكويت لاعادة توضيح الحقائق أمام العالم وبيان أسباب الأزمة المرتبطة بالتمسك المفرط من قبل الادارة الكويتية بكل الحقوق والثوابت الوطنية ،ابتداء من الحدود المشتركة مع العراق إلى التعويضات واستعادة المفقودين والأسرى والوثائق والمقتنيات الكويتية المرتبطة بالتاريخ والجغرافيا والاصول والعلاقات والمخاطبات ، جنبا إلى جنب مع روح التسامح والشعور بالمسؤولية والتعاطف الذي ابدته الكويت في تعاملها مع الشعب العراقي المغلوب على أمره. لم أكن وحدي من عمل مع الكويت دون انتظار في مواجهة تبعات الاحتلال واضرار جريمة الغزو من خلال دوري في اصدار « الأنباء» في القاهرة بعد اسبوع من وقوع الجريمة التي سببت للعراق فيما بعد ما يمر به من تجربة صعبة حتى الآن على كافة المستويات ،جعلت منه البلد الاكثر فسادا ماليا واداريا وتخلفا وفوضى وجهلا سياسيا وبطالة وفقرا في القوائم الدولية التي تصنف الدول التي تنطبق عليها معايير مثل هذه . وقطعاً كان للدور الكويتي المتسامح الذي تحمل مسؤوليته واتخذ المبادرة فيه الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد ، الفضل والدور الأكبر في مجال اعادة تأهيل العراق وإعادته للأسرة الدولية بكامل الثقل المتاح له بعد سلسلة عقوبات فرضتها الامم المتحدة بقرارات من مجلس الأمن تتوافق مع القواعد والقوانين التي تتعامل بها الاسرة الدولية في معالجة أزمات من نوع الغدر الذي لحق بالكويت في الثاني من اغسطس 1990. ويقيناً وبدون أدنى شك فأن العراق كان سيظل في عزلة وهو يرزح في ظل سيل من العقوبات الدولية والحصار لفترة اطول لولا الموقف الكويتي والدوافع الانسانية الحكيمة التي صبغت رغبة الحكم في اطفاء نيران أحقاد وخلافات كان يمكن أن تظل قائمة لقرون وليس لعقود بسبب الأذى النفسي والمعنوي الذي لحق بالانسان الكويتي والسيادة الوطنية والممتلكات والضرر الذي سببته حرائق النفط. فقد كان هناك محمد خالد قطمة «سوري» يرحمه الله وعبد الله الشيتي «فلسطيني» الذي اعتذر عن مواصلة العمل معنا بعد أول اجتماع لفريق العمل الثلاثي بتكليف من الشيخ صباح الاحمد طيب الله ثراه والشيخ ناصر المحمد ، عقدناه في فندق هلتون النيل القاهرة سابقاً «ريتز كارلتون» حاليا.ً وكان هناك عدة عراقيين في لندن كانوا ضمن الطاقم الأول الذي أسس جريدة «صوت الكويت» التي صدرت بعد أسابيع من وقوع الغزو وترأس تحريرها عالم الاجتماع الدكتور محمد الرميحي ، فيما شغل منصب مدير التحرير الزميل «انور الياسين» وكان الاثنان قبل ذلك يشغلان منصبي رئيس تحرير مجلة «العربي» الكويتية الشهيرة التي وصفت بسفيرة الكويت للعالم ، ومدير تحريرها على التوالي. كان الشيخ مبارك الدعيج وكيل وزارة للاعلام للاعلام الخارجي ، قبل ذلك لابد من الاشارة إلى الدور المهم الذي لعبته وكالة الانباء الكويتية «كونا» التي كانت قد تأسست عام 1956 إلا أن الامكانات التي كانت متاحة في ذلك الوقت وافتقاد الساحة الكويتية إلى الصحافة المحلية التي بدأت ترى النور عقب استقلال الكويت في التاسع عشر من يونيو 1961 وإن كان يحتفل به سنوياً في 26 فبراير ابتداء من 1963. لم يتح للدولة والقائمين على الوكالة ان يجعلوا منها صرحا اعلامياً رائعا رائعا مبهراً كما هو عليه الحال من بعد عام 1976 عندما أعيد اطلاق تأسيس الوكالة بثوبها العصري الذي تولاه الراحل برجس البرجس ومعه الاعلامي المبتعد احمد دشتي من خلال عمل دؤوب . ولاشك ان الساحة اختلفت تماما عما كان عليه الوضع في السنوات الاولى التي تلت الاستقلال . ففي الاطلاق الثاني لكونا كان قد أصبح للكويت اعلام صحفي وتلفزيوني واذاعي متميز على مستوى المنطقة التي كانت تمر بمرحلة فيها الكثير من العواصف الخارجية التي سبقت سقوط نظام الشاه في ايران وقيام الجمهورية الاسلامية «1979» التي اعتقدت ادارتها في البداية أن كل الظروف مواتية لتصدير الثورة إلى بقية دول الخليج ،وهو ما أدى من الناحية العملية ترابطا مع طموحات صدام حسين الرجل القوي في النظام الحاكم في بغداد يومها إلى اندلاع الحرب العراقية الايرانية عندما اجتاحت القوات العراقية الأراضي الايرانية في الثاني والعشرين من سبتمبر 1980. وهو أمر «أي الحرب» ما كان يمكن ان يحدث لولا اطاحة صدام بكل الوزراء والقادة السياسيين في حزب البعث الذي كان قد وصل الى الحكم بانقلاب على الرئيس عبد الرجمن عارف في 17 يوليو 1968 ومن ثم انقلاب صدام على أحمد حسن البكر في 16 تموز 1979 الذي كان يعارض فكرة الحرب مع ايران وعارض قبلها التوقيع على سلسلة اعدامات طالت نخبة من المفكرين والعلماء الشيعة ابرزهم الشيخ عارف البصري امام جامع الزوية في الكرادة الشرقية في بغداد في عام 1975 وكيل السيد محسن الحكيم «المرجع الأعلى يومها» ، عميد كلية الفقه والشريعة الاسلامية . ثم اعدم العلامة السيد محمد باقر الصدر الفيلسوف والمفكر وأحد علماء الاقتصاد الاسلامي «له تمثال في جامعة موسكو اعترافاً بمكانته في مجال الفكر الاقتصادي». وأُعدم وشقيقته السيدة آمنة الصدر في مساء يوم 9 ابريل 1980 رميا بالرصاص بأمر من صدام حسين «بعد أقل من عام من الاطاحة بالبكر» بتهمة التخابر مع إيران. وكان أول من أفتى بحرمة الانتماء الى حزب البعث ولو صوريا او بالاكراه. ثم ما تلا ذلك من احداث أهمها قيام مجلس التعاون الخليجي بمبادرة من الكويت خلال قمة جمعت قادة الدول الست التي تأسس منها المجلس « المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر ، البحرين، دولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان». انعقدت القمة في ابو ظبي بدولة الامارات في الخامس والعشرين من مايو 1981 وهو الكيان التعاوني العربي الذي شكل لغاية الآن أصدق تجارب العرب في الاتحاد خلال العصر الحالي ، ما أهله ليكون حاجزاً بين انتقال شرارة حرب الخليج إلى بقية دول المنطقة خارج نطاق الدولتين المتحاربتين «العراق وايران» فضلا عن الدور الأهم الذي لعبه المجلس بإرادة قادته ودعم شعوبه في تخفيف المعاناة عن الكويتيين خلال أزمة يصعب التقليل من تبعاتها وويلاتها وأضرارها الانسانية والاجتماعية والأمنية ،ومن ثم في تحرير الكويت بالاسهام فعليا في الحرب التي اندلعت في 17 يناير 1991 واستمرت إلى 28 فبراير من نفس العام. غير أن تجربة وكالة الانباء الكويتية دخلت مرحلة النضج بعد التحرير وخصوصا بعد تولي الشيخ مبارك الدعيج رئاسة مجلس الادارة ومنصب المدير العام إذ اتسع دورها ليشمل اعادة بناء علاقات ثقة متوازنة مع الاعلام العربي والاعلام الدولي ،وهو ما كان الدعيج قد بدأه بدعم قوي ومباشر من الشيخ صباح الاحمد طيب الله ثراه وهو رئيس للوزراء ،ومن وزير الاعلام يومها الشيخ أحمد فهد الاحمد ،ومن ثم من رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الذي كان اساسا وراء حلقة تفاعل الاعلام الداخلي والخارجي « العربي والاجنبي» مع الكويت من خلال علاقات مباشرة . وفي فترة عملي في لندن معدا ومقدما لبرنامج « الحوار المفتوح» من قناة تلفزيون «ANN» وكنت اقدمه بشكل يومي على مدار الاسبوع على الهواء مباشرة من الساعة 7 مساء الى التاسعة بتوقيت لندن ، كان الشيخ مبارك الدعيج يحرص على انتقاء اعلاميين كبار من رؤساء تحرير الصحف المصرية واللبنانية والسياسيين وقادة الاحزاب في اكثر من عاصمة عربية لأتولى محاورتهم في البرنامج عن الاعلام العربي والوضع السياسي العربي وتبعات الغزو وحالة العراق في ظل الحصار والعقوبات الدولية بسبب رفض بغداد ايام صدام الانصياع للارادة الدولية ،وهكذا ،وكان القصد على الدوام ابراء ذمة الكويت مما يتعرض له العراقيون من اذى بسبب مغامرات رئيس نظامهم ،وبيان مدى قلق الكويتيين جراء رفض صدام الافراج عن الاسرى الكويتيين. وكان مدير عام كونا يحرص شخصيا على انتقاء افضل المتحدثين البعيدين عن التهريج والاسفاف والمديح والنفاق، والاحتكام للموضوعية. كانت كونا على مدى سنوات ادارة الدعيج في قمة نشاطها واقترابها من القضايا الوطنية واعلى قدر من الحرفية والمهنية بقدر عال من الاخبار المحلية والخليجية والعربية والدولية ،في حين كان رقما مهما في حركة ونشاط الاعلام العربي بشكل عام من خلال كونا واتحاد وكالات الانباء العربية التي يجب ان تدين بالشكر والعرفان والتقدير لفضل الشيخ مبارك في تحويل الاتحاد الى وسيلة جذب وتطوير وارتقاء بمستوى العمل الاعلامي وانتصار لقضايا الامة وتتويج لتفاعل الاعلام العربي مع الانسان في الداخل والخارج. إذ لم يكن اتحاد وكالات الانباء العربية بنفس القدر من القوة والاهمية التي اسهمت بها الكويت بشكل يفوق ايي طرف آخر من خلال تحمس وايمان مبارك الدعيج بأهمية الاتحاد.
كنت ازور الكويت قبل عودتي للعمل فيها وانا امثل قناتي «ANN» و«الفيحاء» ومجلة «المشاهد السياسي» الاسبوعية اللندنية اولى اصدارات هيئة الاذاعة البريطانية «BBC» باللغة العربية من عام 1938 وكان اسمها «هنا لندن» تزامنا مع بدء بث اذاعة «BBC» العربية . وكنت القى من االشيخ مبارك الدعيج الصباح وهو وكيل وزارة الاعلام للاعلام الخارجي، كل تعاون وترحيب . وكنت اجد لديه وفي ضيافته من خلال جهاز الاعلام الخارجي صحفيين عربا واجانب من كل العالم ،كان يتعامل معهم بما يليق بما يعرف عن الكويت من رقي ولطف وادب وتسامح وانفتاح حتى على من يختلف معها في الرأي. وهي الامور التي عرفتها من قبل لدى الشيخ صباح الاحمد وهو وزير للخارجية ،اوالشيخ ناصر المحمد وهو وكيل لوزارة الاعلام ثم وزير لها ثم وزيرا للديوان الاميري ثم رئيسا للوزراء ،ولدى الشيخ احمد الفهد وهو وزير للاعلام . وتذكرت مرارا قول نائب رئيس الوزراء وزير الاعلام الاسبق الشيخ جابر العلي طيب الله ثراه عندما قال لي في عام 1978 بعد مغادرة نقيب المحررين ونقيب الصحافيين اللبنانيين، ان الكويت تدعم الاعلام العربي وتتقدم به عربيا وعالميا. مؤكدا: لن نحارب من ينتقدنا ولن نخسر صداقته مادام منصفا مدركا لأهمية الحقيقة في العمل الاعلامي.