بعد عقود من متابعة الشأن الكويتي توصلت لقناعة بأننا نعيش بحياة أشبه بالسيرك، ما يحدث بالكويت اليوم مخجل إلى درجة أن الخجل نفسه بات يخجل من ربطه بأحداث هذا البلد الصغير. من المعلوم أنه في كل مكان وزمان هناك أناس يحملون فكرا متواضعا وبسيطا، وبما أن حرية الرأي مكفولة للجميع فمن حقهم التعبير عن أنفسهم كذلك. ولكن تخيل لو انصاعت الحكومة بأكملها لأصحاب هذا الفكر على حساب المتعلمين والمثقفين والمفكرين؟ لا يحتاج أن تتخيل لأن هذا ما يحدث حرفيا في الكويت.
على سبيل المثال، عندما يقوم وزير الدفاع بأخذ موافقة دار الإفتاء فيما يخص عمل المرأة بالجيش ضاربا بعرض الحائط الدستور وكافة مؤسسات المجتمع المدني، فماذا نطلق على ذلك؟ فالوزير المعني عجز عن اتخاذ قرار قبل أن يرجع إلى هيئة افتاء. المهم ان دار الإفتاء أفتت بأنه لا يجوز للمرأة أن تلتحق بالجيش إلا بعد موافقة ولي أمرها. كذلك من يرغب بالمشاركة عليه أن يلتزم بالحجاب الإسلامي. العجيب في الأمر ان مثل هذه الأمور تتناقض تماما مع الحرية الشخصية للأفراد التي نص عليها الدستور «مادة 30».
الأمر بالطبع لم يتوقف عند هذا الحد، فقد سبق ذلك إزالة شجرة كريسماس من أحد المجمعات الشهيرة لأنها جرحت مشاعر الذين اعتبروا هذه الشجرة الآثمة من الكبائر والموبقات السبع! وكعادة الحكومة لم تأبه لمشاعر الكويتيين المسيحيين وخطاب الكراهية تجاههم ،طالما هذا الأمر يرضي البعض. كذلك لا ننسى إزالة التماثيل من الأماكن العامة واغلاق ناد خاص للرقص وآخرها تحريم اليوغا بنفس الأعذار الخاوية، هذه الأمور تهز ثوابتنا وكأن من يردد ذاك يقر بمدى هشاشة ثوابته التي تهدم أمام كل شيء جديد.
الدول التي رعت الصحوة واحتضنتها لعقود دفعت ثمنا باهظا بخلق أجيال منغلقة ومشوهة فكريا إلى الحد الذي جعلها عاجزة عن التعايش مع كل ما هو جديد وحداثي، ناهيكم بربط سمعة هذه الدول بالتطرف والإرهاب. ولذلك حاولوا تغيير سياساتهم لإنقاذ ما تبقى إنقاذه. ولكن في الكويت ما زلنا نتجاهل مدى الدمار الذي يلحق بمجتمعنا من إزاء ترك هؤلاء يتحكمون بمصيرنا ويرهبون المجتمع بصياحهم لكي يجعلوا من الكويت بيئة طاردة للحياة.
على الحكومة أن تتوقف فورا عن هذا النهج الذي من خلاله تساوم المتشددين على حرياتنا ومكتسباتنا الدستورية من أجل تحقيق بعض المكاسب على حساب الفتك بوطن بأكمله. فبعد أن كنا الكويت اليوم أصبحنا كويتستان ،ولا أعلم حقيقة ما يخفيه لنا الغد، ولكن ان استمرينا بهذا المشوار المظلم فسنصبح مركزا عالميا، ولكن ليس ماليا وتجاريا وانما طالباني وصحوي.