منذ ان اكثر من ١١ عاما وانا اعاني شخصيا في التعامل مع الحكومات المتعاقبة معاناة وصلت لحد الاشمئزاز احيانا والاحباط احيانا كثيرة، ففي كل نقاش اقتصادي او حديث حول ملف اقتصادي اتفاجأ اما بضحالة فهم المسؤولين والحكومات المتعاقبة لهذا او عدم اهتمامهم او جهلهم، لدرجة جهل وزراء ومسؤولين تولو وزارات واجهزة اقتصادية في معنى اقتصاد الدولة او الاقتصاد بشكل عام لدرجة تثير الاشمئزاز والاحباط.
المشكلة الغائبة ان احد اهم اعمدة اي دولة واستمرارها هو ازدهار اقتصادها وتطوره، والمشكلة الادهى هي ان الاقتصاد ليس تجارة ربح وخسارة ،وليس صناعة ولا هو استثمار وادارة الاسهم والاموال، فالتاجر لايفكر الا بالربح والخسارة ،والدول لا تربح ولا تخسر، والاقتصاد ليس مبنيا وفق هذا المبدأ، والمستثمر والمضارب لا يفكر الا باقتناص الفرص الاستثمارية والاسهم المربحة ،والاقتصاد ليس شركة او محفظة، والمهندس او المبتكر يريد انتاج او صناعة منتج جديد او متطور ،والاقتصاد ليس مصنعا او ورشة، المشكلة في الكويت ان الحكومات المتعاقبة وكذلك رؤساءها و العامة ايضا يظنون ان التاجر وصاحب المصنع والوسيط المالي (الدلال) و المحلل المالي ومن يعمل او يدير بنكا او من يدير مصنعا او محفظة مالية هم رجال الاقتصاد والمختصون ،وهنا بدأت المعاناة واستمرت.
وبالتالي اسناد ادارة جهاز اقتصادي الى تاجر مثلا سيكون اشبه باسناد ادارة جهاز تربوي وتعليمي الى مختص في الزراعة او الاعلام، وعليه سيكون اما جاهلا في ادارة هذا الجهاز او انه سيديره ويوجهه وفقا لما يفقه و يجيد .ببساطة الوسيط المالي سيحصر اقتصاد الدولة ببيع وشراء الاسهم ،والتاجر يرى الاقتصاد بالبيع والشراء ،والوكيل التجاري لن يفكر الا بهامش العمولة ،والمزارع سيرى الدولة مزرعة كبيرة ،وصاحب المصنع يظن الاقتصاد مصانع ،والاعلامي يعتقد ان كل شيء قائم على الترويج والتسويق ،وهكذا.
للأسف الكويت هي الدولة الوحيدة التي يغيب فيها الرأي الاقتصادي عن ادارة الملفات الاقتصادية، وهنا اوجه رسالتي للحكومة الجديدة القديمة، القديمة باشخاصها والجديدة بنهجها الى ضرورة اولا تثقيف مسؤوليها ووزرائها المسؤولين عن الملفات الاقتصادية وادارة الملف الاقتصادي بما هو الاقتصاد او ما هو اقتصاد الدولة قبل البدء بأي مشروع اصلاح اقتصادي.
لازلت اذكر نقاشي مع وزراء ومسؤولين عن الملف الاقتصادي قبل بضع سنوات ،صعقت حينها انهم لا يفرقون بين النمو الاقتصادي و التنمية الاقتصادية ،ولا يدركون الفرق بين مفهوم الدولة الريعية ودولة الرفاه ،ويجهلون اختلاف التضخم عن ارتفاع الاسعار، والاكثر ايلاماً حين ينادون بالتخلي عن النفط الذي هو اهم مقومات الاقتصاد والبحث عن بدائل اخرى ،منجرين كالببغاوات وراء كل ما يقرأون في الصحف والإعلام دون ادراك.