يقول المولى عز وجل «مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» الآية- « 18»: سورة ق، وهي آية كافية وشافية وواضحة كل الوضوح لكل من يتأملها، فالرقيب على كتف الإنسان الأيمن يسجل أعماله الحسنة، والعتيد على كتفه الأيسر يسجل أعماله السيئة، وكلامي موجه لكل من يتعرض لغيره بسوء، دون سبب وبلا سابق معرفة، ولا ادري بما أصف هذه العينة من الناس، فالأمر مثير للدهشة والغرابة، وهذه الآية الكريمة التي نزل بها جبريل عليه السلام بأمر من الله تعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تقول لك بوضوح أنك إن تكلمت بخير أو بشر كتب ذلك في صحيفتك وحوسبت عليه أمام الله على كل أفعالك، فإن كان خيرا جزيت خيرا وضوعف ثوابك أضعافا مضاعفة، وإن كان شرا دعيت بالويل والثبور وعظائم الأمور، فنفسك لها من يراقبها معتد لذلك حتى الحركة، هذا ما أخبرنا به خالقنا سبحانه وتعالى، وللأسف فبعض الناس طرح هذه الآية الكريمة جانبا وسار في غيه وعناده وأخذته العزة بالأثم، فيشتم هذا ويسب ويقذف ذاك وكأنه خارج دائرة المحاسبة الإلهية، مصر على مايفعل علما بأن الإصرار على الذنب أكبر من الذنب نفسه، وبالأمس القريب حذر الشيخ الفاضل عثمان الخميس حفظه الله من السب والتعدي على الناس في مواقع التواصل الاجتماعي وذكر هذه الآية مستشهدا بها، من باب النصيحة وهو دائم النصح والإرشاد، فانهالت عليه الردود من كل حدب وصوب كلها ترفض هذه النصيحة وتصر على ماتفعله من تعد على الناس، بل وتطلب منه تفسيرا للآية وهي أوضح من الشمس في ضاحية النهار، فتذكرت قول عمرو بن معد يكرب:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لاحياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرماد
فهناك أناس سدت آذانهم عن سماع النصيحة،سبحان الله حتى النصيحة صارت مرفوضة عند هؤلاء البشر ولم يعد يسلم منهم حتى شيوخ الدين ورجال العلم، يريدون من الناس أن ينصتوا لهم ويسمعوهم، وفي المقابل لايريدون أن يسمعوا أحدا، بطريقة تكميم الأفواه بلا وجه حق، فأما أن توافق على ماأقول أو انهالت عليك الشتائم تترى مثل المطر المنهمر، ولم لانتحلى بأخلاق الفرسان ونعتذر عند الخطأ واستدراك الخطأ في حق الناس أمر حسن، وهناك فرق بين الخطأ والتمادي في الخطأ، شتم رجلا ابراهيم الشعبي وأسمعه مايكره فقال له : إن كنت صادقا فيما قلت فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا غفر الله لك ،ولم يزد على ذلك، من هنا أقول أن قضايا السب والقذف ملأت المحاكم بين جنحة وجناية، ليس في الكويت فحسب وإنما في كل مكان وهذه ظاهرة مزرية وغير صحية وهي فوضى تؤدي لما لايحمد عقباه، فإن كنت شابا في بداية حياتك وسرت في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر لم تسلم بل حطمت مستقبلك بيدك بسبب قذفك وسبك لهذا أو ذاك، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لادرهم له ولامتاع، فقال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ماعليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» هذا ودمتم سالمين.