ما أفسى ان يكبر الانسان ويجد نفسه في الغربة ،لا يوجد مكان في هذه الحياة بالنسبة له أجمل من المكان الذي ولد فيه وترعرع وتفيأ تحت ظلال شجرة النخيل ،وشرب من أنهاره العذبة ، ذلك المكان هو وطني الاحواز. ففيه ذكريات الصبا وضحكات الطفولة البريئة واصحابي في المدرسة. فالذكريات لا تمحى بل تظل جزءا من كيان الإنسان ومهما حاول الابتعاد عنها او صنع المستحيل ستبقى في الوجدان. فلابد أن تبقى الذكريات في ثنايا مخيلته وهذا جزء يسير من الوفاء لهذه الأرض التي حملته على ظهرها منذ ولادته إلى أن يحين الأجل ويدفن فيها وان يكون التراب عزيزا. فليس هناك أرحم من الوطن ولو عشت في جنات الفردوس.
من الصعب ان يعيش الإنسان لفترة في وطن غير وطنه مهما تناسى او تغير. لأن الظروف أجبرته على الرحيل ولكنه من المستحيل ان يحب وطنا غير وطنه لان الجديد جديد لايوفي بالقرض وان طالت السنين. نعم يجامل ويقول انا احب أهلها لأنهم طيبون وجديرون بتلك المحبة.
فالمحبة والطيبة لا تعرفان وطنا ولا أرضا. ولكن مهما عاش في هذا الوطن البديل يظل يتذكر مسقط راسه. فلابد أن يفارقهم ليعود إلى وطنه حاملاً معه ذكريات الأحبة والأصدقاء الذين أحبهم والذين ساعدوه ،يتذكرهم وعيناه تذرفان الدموع من ذكريات مأساة او افراح معهم. فمنهم من كان له كمحب وآخر كأخيه وكأخت و صديق والكثيرون شربوا من كأس مرار الغربة ، والإنسان بطبعه يشتاق ويحن للوطن الام. والبعد عن الأهل في حياته الجديدة حتى ولو مع أسرته فالغريب غريب. فكيف به إذا كان وحيداً في ديار الغربة وبعيدا عن وطنه. وقد ترك خلفه العشيرة وابناء عمومته وذكريات الوطن والاجداد. فالسعادة لا تأتي بالمال او المزايا اليوميه او التبهرج. فذكريات الطفولة حفرت في العقل لاتنسى ابدا. واما المعيل فله شان ثاني وحياة اخرى يعيش فيها ويحسب الثواني والساعات. فلابد أنه سوف يتجرع ألم وحسرة البعد والفراق عنهم. وانا اتمنى ان ارجع واصبح في وطني رغم الظلم والاضطهاد وجور الاحتلال ،لقد تجرعت كاس سم الغربة منذ نعومة اظافري. وللاسف بعض البشر لا يحس بهذا الاحساس ولا يغير بالحقيقة. ولكن الحقيقة مرة ،امرها الغربة التي اعيشها انا. بلادي وإن جارت علي عزيزة. وأهلي وإن ضنوا علي كرام.