ابدأ من تلك المقولة الشهيرة « لا تسألوا الطيور لماذا هاجرت اوطانها بل أسألوا الظروف التي اجبرتها على الرحيل» نعم الهجرة من وطني كانت في اصعب الحالات والاوقات التي مررت بها، وعندما سافرت من قريتي القصبة الواقعة على ضفايف شط العرب كان من اصعب الايام، ولم اعرف السعادة الا في تلك القرية المتواضعة، ولم يخطر في بالي ولا للحظة واحدة أن أودّع تلك الارض وكل زاوية لي فيها ذكريات وكل شجرة نخيل وورود البساتين اعتدت أن أشمّ رائحة ارضها وماء شط العرب، وكان خوفي من الظروف في تلك الفتره اجبرني علي التحرك في تلك الايام، حيث كان الهمّ الأول في تلك اللحظات هو الخروج من العذاب والتمييز والتفرقة من ذلك النظام الملكي المحتل انذاك، ونحن نغادر الوطن اشغلني احساس عجيب وهو تماماً كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة واصبحنا ايتاما، ومرّت بنا الايام والسنون ولازلت أذكر تلك اللحظات وكأنها حدثت البارحة وانا في عمر الواحد والستين، وكان عمري انذاك 13 عاما واليوم اعيش احساس الغريب ، واظن الكثيرين الذين ابتعدوا عن اوطانهم مثلي يشاركوني نفس الأحساس وبعد مرور ما يقارب خمسين سنة لم انس تلك اللحظات ولاتزال في مخيلتي، وناهيك عن الدمار النفسي الذي حلّ بيا، وعن شعوري الذي دائما اصفه بالغربة والهجرة والبعد عن أهلي والهرب من بطش ذلك النظام ورغم ذلك العذاب والغربة فالمهجر أهون علينا، واليوم أصبحت لاجئا ونازح من وطنين عزيزين على وكثيرين مثلي الذين هربوا من أحيائهم في تلك القرى الاحوازيه، وتلك المشاهد والاسامي لازلت حتى الآن ولا أستطع نسيانها وتخيّلها، وألم الفراق عن الوطن من أصعب الآلام ومن أشدّها، فمن لا يبكي على فراق الوطن ومن لا يشتاق لأرض فلا وطنية له، فلو لم يكن الوطن غالياً لهذه الدرجة لما سُمّي الوطن الأم، فالوطن هو تماماً كالأم الحنون التي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعور بالأمان والسكينة، ومهما سافر الإنسان ومهما دار في بلدانٍ حول العالم، فلن يجد أحنّ من حضن وطنه ولا أدفأ منه،