حذرت مرارا وتكرارا في مقالاتي السابقة من عودة التأزيم من جديد في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، رغم الأجواء الإيجابية التي سادت الانتخابات البرلمانية السابقة وما صاحبها من قوانين ومراسيم إصلاحية لم تكن معهودة في تاريخ البلاد ،وذلك لأسباب عديدة ،على رأسها ترسيخ الدستور لمبدأ العمل الفردي الأمر الذي يجعل من النائب يعمل ليل نهار لإبراز اسمه وهويته أمام الناخبين حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة للوطن.
التفاعل الإيجابي الحكومي مع المطالبات الإصلاحية الشعبية تسبب بإنزعاج قوى تجارية متنفذة وأطراف سياسية خارج البرلمان وبداخله ،ما جعل تلك الأطراف تتحرك بما تملك من وسائل إعلام ومواقع تواصل ونواب لاحداث شرخ وتأزيم في العلاقة بين السلطتين ،وذلك من خلال ايقاع نواب مايسمى بالاصلاحيين ضمن مخططاتهم ،فجاءت المقترحات الشعبية غير الواقعية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير واحرجت غالبية الأعضاء وتسببت بفتور وصدام مبكر مع الحكومة.
مقترحات اسقاط القروض وتحويل غرفة التجارة الى نقابة والقوائم النسبية للانتخابات قوانين خطيرة جدا ولها تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية غير محسوبة العواقب على الدولة ،ما يضع علامات استفهام كبيرة على إدراجها مع بداية دور الانعقاد الأول لمجلس الأمة وبتلك السرعة غير المبررة ،وعلى الرغم من وجودها منذ عشرات السنين في اروقة مجلس الامة دون حسم.
تبني تلك المقترحات من نواب مخضرمين وفي هذا التوقيت المبكر من عمر مجلس الامة يؤكد بان هناك اسبابا اخرى لاتمت للشعب والمواطنين بأي صلة ،وقد تكون خلافات وصراعات مخفية تحت الطاولة يراد منها تصفية الحسابات مع أركان الحكومة الحالية واستباقا كذلك لحكم المحكمة الدستورية بتاريخ 23 يناير الحالي والذي قد يتسبب بإبطال المجلس او ابطال العملية الانتخابية برمتها وعودة النواب مجددا للشعب ليقول كلمته.
نواب المقترحات الشعبوية وضعوا انفسهم وزملاءهم من النواب الاصلاحيين بموقف محرج أمام الشعب ووقعوا بالفخ الذي وضعته لهم الدولة العميقة المتضررة من الإصلاحات الحكومية الأخيرة ،ما سيؤدي حتما الى عودة التأزيم من جديد وخسارة فادحة للنواب الإصلاحيين سيندمون عليها كثيرا في المستقبل إذا لم يتم إيجاد مخرج سريع لتلك الورطة الدستورية واصلاح ذلك الانحراف والاندفاع التشريعي والرقابي غير المدروس.
فهل ينتبه النواب لذلك الفخ ام سيكونون ضحايا الدولة العميقة والتي تعيش الآن أزهى فتراتها في السيطرة والنفوذ؟