المقالات

استعادة الانفاس الطيبة

ماحصل من فوضى في افتتاح كاس الخليج في البصرة في السابع من يناير الحالي امر طبيعي جدا خاصة بعدما اتضح ان الازمة التي دفعت وفد الكويت الرسمي الى الانسحاب سببها وفد اقليم الشمال الكردي المرافق لرئيس الاقليم وعددهم 25 عضوا اعطوا لنفسهم الحق في الجلوس على المقاعد المتاحة في مقصورة كبار الضيوف ليكونوا بجوار رئيسهم، دون علمهم بأن هذه المقاعد مخصصة لممثلي الحكومات واللجان الاولمبية للدول المشاركة، لكن السؤال : ماذا يتوقع العالم من شعب اضطهد من حاكمه ومن اميركا ومن دول الجوار لاكثر من اربعين عاما ،مرة بحجة الخلاف مع النظام ومرة لاسباب مذهبية ؟ شعب اجبر وفق حسابات صراع المصالح والنفوذ العالمي على نفط المنطقة على خوض حرب غير ذات مبرر او جدوى وعلى تحمل وزر جريمة احتلال بلد شقيق هو الاقرب اليه من بقية العالم العربي الذي ينتمي اليه؟ وعلى تحمل تبعات حصار وعقوبات لمدة 13 سنة ابقته اسيرا في سجون النظام مع معرفة الجميع بان كل الذي جرى تم بتخطيط اميركي لمصلحة اسرائيل ولايجاد غطاء شرعي لواشنطن لنشر قواتها واقامة قواعد لها في كل المنطقة؟
في عام 2005 وعندما كنت أدير قناة الفيحاء الفضائية من امارة عجمان كنت اقدم برنامج فضاء الحرية لمدة ثلاث ساعات على الهواء على مدار الاسبوع. وكنت اناقش قضايا العراق ماكان عليه وماجرى في 2003 وما يمكن ان يجري لاحقا والتركيز على اهمية عودة العراق الى ممارسة دوره الحضاري والانساني والقومي بشكل طبيعي والاستفادة من عائدات النفط وارتفاع الاسعار في اعادة الاعمار وفي تغيير الاوضاع الماساوية التي رافقت حياة العراقيين منذ مؤامرة 14 تموز يوليو 1958 التي طبختها المخابرات الاميركية ضد الحكم الملكي والحياة البرلمانية في العراق الى الوصاية الاميركية ،وهي مرحلة اولى من مراحل انتقال ممتلكات المصالح والرعاية السياسية البريطانية الى اميركا تنفيذا لاتفاق روزفلت تشرشل الذي تنازل بموجبه الاخير عن كل مستعمرات بريطانيا في العالم لصالح الولايات المتحدة مقابل دخول الاخيرة الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء ضد المانيا وهو دخول تشير الاف الوثائق التاريخية من تلك الحقيبة الى انه ماكان سيغير مجرى الحرب لولا انكسار الجيش الالماني في روسيا . كنت ادعو العراقيين واستشسهد بافلام الفيديو الى طي صفحة الماضي والاستفادة من الاخطاء الكارثية التي حلت بهم والى التنعم بعائدات النفط اسوة بدول المنطقة التي فاقتهم في التنمية وفي العمران وفي الرفاه وفي الاستقرار وفي التلذذ بحلاوة العيش والسفر والسياحة والاستثمار والتجارة والتعليم وهكذا. الا ان العراقيين والبسطاء منهم على الاقل كانوا وبتعبير طبيعي عما يجيش في صدورهم من الم ، يكيلون العتاب والاتهام احيانا لدول المنطقة بانها السبب في كل ما جرى بسبب ولائها المطلق لاميركا ومجاراتها المشروع الصهيوني في العبث بالمنطقة ،ومنها دفع رئيس العراق وقتها الى اعلان حرب الثمان سنوات على ايران وتمويله وتسليحه وتقديم القروض له على انها مساعدات غير مستردة ثم طالبوه بها وكانوا يتكلمون بغير هدوء وبدون تركيز او ترتيب وكنت اعرف سبب معاناتهم واقدر احوالهم وان كنت ارفض اسلوب الاتهام والتجريح لبعض قادة المنطقة وكنت ارد وادافع بهدوء عن هذه الدول وعن قادتها دون ان اكون طرفا في خلاف مع احد بهذا الشأن. ولامني بمكالمات هاتفية او في لقاءات تمت مصادفة او بترتيب منهم بعض الرؤساء والقادة مثل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي طاله العتب والذم ،وامير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة ،والعاهل الاردني السابق الملك حسين بن طلال ،والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ،وكنت لا اعتذر عن امر لا علاقة لي به وانما اجيب ان شعبا جرد من كل وسائل التعبير ومجاراة العالم في حرية الراي وحقوق الانسان والسفر للعلاج او الدراسة او لاي غرض اخر ،وحورب ووضع باكمله في قوائم سوداء من قبل الولايات المتحدة وكل الغرب وكل دول الجوار باستثناء ايران التي استثمرت حالة الكره والعداء قبل الاخرين بمن فيهم العرب للعراقيين تحت مظلة مقاطعة النظام.
وكان من بين من وجه اللوم والعتب لي ومن ثم اعلان ما يشبه القطيعة معي بعد الود المصطنع في فترة ما ،الاعلامي العراقي الكبير سعد البزاز الذي قابلني في دبي وكان معه مواطن سياسي كويتي معروف بمعاداته لصدام ونظام صدام وسألني :لماذا قبلت ان يشتمني بعض الرعاع ولم توقفهم او ترد عليهم؟ فقلت :ان من تصفهم بهذا المسمى هم ابناء شعبك وانت احد اهم من اسهم في ايصاله الى هذه الحال فلا تجعلني افتح ملفاتك وملفات سواك للحديث عما جرى في العراق وفي بقية دول الجوار ،واما لماذا لم اوقفهم فلأني لست وصيا عليهم ولست احسن منهم . وقلت لبقية القادة: لا تستعجلوا الحكم على العراقيين فجلهم ضحاياكم وضحايا اميركا واسرائيل وايران ونظامهم السابق. سيحتاجون لبعض الوقت لاستعادة العافية والانفاس والعودة الى الحياة الطبيعية .
الطيبة والكرم والاخلاق والوداعة والمحبة التي اظهرها اهل البصرة لاخوانهم الخليجيين وخصوصا الكويتيين منهم بداية صحوة العراق.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى