خلال عملي في الجهاز الحكومي لأكثر من 25 عاما وكذلك خلال عملي في مجال التدريب والاستشارات الادارية لمدة أكثر من 20 عاما في القطاع العام وشبه العام والخاص ،كان لي الشرف بالتعامل مع قيادات إدارية على درجة عالية من التأهيل والكفاءة ،وعلى قدر عال من الأدب والاحترام في التعامل والعلاقات الرسمية وغير الرسمية.وتشعر بالارتياح والغبطة والسرور بالعمل مع هذه القيادات الإدارية ،حيث تشعر بالمهنية والخلق الحسن والأدب الرفيع.وعندما يتم ابداء ملاحظاتك على عمل وأداء هذه القيادات،تجد هذه القيادات في كلا القطاعين العام والخاص ينصت إليك بكل جوارحه وأحاسيسه لكي يستفيد من ملاحظاتك واستفساراتك والرد عليها بكل أدب ومهنية.ويبدي الرغبة التامة في التعاون لتصحيح الانحرافات والأخذ بالملاحظات حول الأداء إن وجدت . ما يدل على الرقي والمهنية في العمل والصدق والجدية في أداء الأعمال والمهام الموكلة إليهم بكل أمانة وحرفية.ومنهجهم في ذلك الشفافية والمصارحة والمكاشفة في المشاكل والعقبات التي تعترض الأعمال والمشاريع القائمة أو المخطط لها.وهدفهم المصلحة العامة وتميز المؤسسات والجهات التي يعملون بها. هذه النوعية من القيادات الإدارية تملك رؤية وتؤمن بالتخطيط الاستراتيجي لمنهج في بناء وتطوير مؤسساتها ،كما أنها تثمن الآراء المتخصصة وتقدرها،كما أنها تهتم بعملية التقييم والمتابعة من قبل الجهات العليا والرقابية لأهميتها ودورها في حسن سير العمل والأداء ،والمحافظة على تطبيق الإجراءات والنظم الإدارية والفنية والقانونية للمصلحة العامة.
هذه النوعية من القيادات الإدارية في الجهاز الحكومي والخاص والتي تتميز بالصفات والمواصفات والمؤهلات التي سبق ذكرها بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً مع الأسف الشديد،وبدأت تبرز على الساحة نوعية جديدة من القيادات الإدارية في كلا القطاعين .بعض هذه القيادات تسمع ولا تنصت،لا تتسم بالمهنية والكفاءة الإدارية والفنية،ما يثير الشك لديك كيف وصلت إلى هذه المناصب القيادية والمراكز الحساسة في هذه القطاعات والمؤسسات المهمةوالحساسة؟بعض القيادات الإدارية من هذه النوعية من القيادات الإدارية في القطاع الحكومي والخاص لا يمتلك رؤية ولا يؤمن بالتخطيط الاستراتيجي منهجاً لأداء الأعمال وتحقيق الأهداف ،كما أن بعض أعضاء هذه الفئة من القياديين لا يؤمن بعملية التقييم والمتابعة من الجهات العليا والجهات الرقابية ،ويشعر تجاهها بالشك وعدم الارتياح ،ويحاول الالتفاف على ملاحظات هذه الجهات الرقابية من خلال التعهد غير الجاد وغير الصادق بالأخذ بهذه الملاحظات في المستقبل ،معتمداً على أن يكون الزمن كفيلاً بنسيان هذه الملاحظات والأخطاء أو تغيير المسؤولين في هذه الجهات التقييمية والرقابية مع مرور الزمن.
جزء من هذه القيادات جاء في غفلة من الزمن والبعض الآخر جاء بإسلوب «القيادات البراشوتية» لذا تجد أحد أسباب التخلف الاداري والتراجع في الأداء والإنتاج يعود بشكل كبير إلى هذه النوعية من القيادات التي ابتلي بها كل من القطاعين العام والخاص كنتجة للتجاذبات والصراع السياسي والقبلي والطائفي والعائلي والحزبي لصبغ هذه المراكز والمناصب القيادية بصبغته وتوجهه ورؤيته الحزبية والعنصرية،والأدهى والأمر أن بعض هذه التيارات والأحزاب تدافع عن هذه القيادات غير المؤهلة وتعمل كل جهدها لبقاء هذه القيادات الادارية غير الكفوءة في مناصبها ومراكزها القيادية لأن هذه القيادات الإدارية محسوبة على توجهاتها السياسية والحزبية.
زمن عجيب وهرم مقلوب وشفافية معتمة،وتقييم معوج،وتابع يقود،وقائد مضروب، وسياسي منحرف،وموظف متغطرس،وتنمية معاقة،وتخطيط غير منفذ، وقوانين معطلة ورقابة عرجاء، ونريد بعد كل ماسبق أن نتطور ونلحق بالدول التي سبقتنا، أتمنى أن نصحو من سباتنا العميق .
ودمتم سالمين.