تعاني المجتمعات العربية من أزمة فكرية وثقافية حادة تتعلق بالانفصام في الشخصية العربية في ما يتعلق بتناقض المطالب والآمال مع واقع الشعوب والمجتمعات ،وهو ما أدى إلى حدوث صراع فكري واجتماعي وسياسي حاد انعكست تداعياته على تخلف وتراجع الدول العربية.
في دول الثورات العربية وخصوصا مايحصل حاليا في العراق ولبنان نرى الجماهير العربية تخرج إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة والحرية ومحاربة الطائفية والفساد ،في الوقت نفسه تقوم تلك الجماهير وخلال الانتخابات بالاصطفاف الطائفي و التخندق الحزبي المقيت تجاه أبناء الوطن الواحد في وضع مزر يؤكد ضياع البوصلة الحقيقية للشعوب.
في الكويت الوضع أكثر وضوحا، حيث يصب الناخب الكويتي جام غضبه ليل نهار على مجلس الأمة متهما النواب بالفساد والعنصرية والوقوف ضد رغباته ،متناسيا انه هو من أوصلهم إلى البرلمان من خلال الفزعة والتصويت لهم وتغذية الطائفة والقبيلة والعائلة دون نظر إلى مدى فداحة موقفه ذلك.
ذلك «الانفصام» لا يتوقف عند هذا الحد فالكثير من الشعب هوايته المحببة هو «التحلطم» دون تقديم نموذج مشرف بالالتزام بالمبدأ الذي ينادي به وهو ما تمثل بما شاهدناه من بعض ممن يتقدمون الصفوف بحجة الإصلاح وهو غارق بالفساد المالي والاداري ومقدما الطائفة والقبيلة والعائلة على ما عداها من مصالح وطنية .
الكثير كذلك يقارن بين دقة الدولة الاوروبية ونظافتها وانضباط أنظمتها ومايحدث بالبلاد من فوضى دون ان يدرك بأن تلك النظافة والدقة والالتزام بالطوابير والمواعيد ليست بسبب الجودة التي تقدمها الحكومات لهم ، بل لان الشعب لايسمح بورقة او منديل يسقط في الطريق كما تعتبر تلك الشعوب من المحرمات تجاوز الطابور والمواعيد واستخدام الواسطة لأخذ حق غيرها كما يحدث لدينا.
ما يحدث لدينا هو انفصام حقيقي بين آمال وتطلعات المواطن وبين تصرفاته و قراراته المخالفة لما يدعو له ويصرح به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فليس من الإنصاف لوم مجلس الامة وحده واتهامه دون النظر إلى أن ذلك المجلس جاء نتيجة خيارات ذلك الناخب وحده ، كما ليس من الإنصاف انتقاد أجهزة وموظفي الدولة باتهامات الفساد والواسطة والمحسوبية وهو من ساهم بإيجادها وتفشيها من خلال تصرفاته وواقعه التعيس.
الأزمة الثقافية والتناقض الذي نعيشه يمكن معالجته حينما تتوافق المطالب والآمال مع واقع الشعوب والمجتمع فهنالك فقط سنرى طريق التقدم سالك للنهوض.