الموقف الأميركي
كما أشرنا أعلاه أن الولايات المتحدة الأميركية صوّتت ضد قرار الجمعية العامة، فرغم أن أميركا هي طرف رئيسي في هذا الأمر ومهم جداً وهذه حقيقة لا يمكن التنكر لها، لكن بدا اليوم جلياً أن المجتمع الدولي ليس أميركا ولم يعد يكترث لأوامرها، ربما فقدت هيبتها بعد أن تعرّت في العراق وفي أفغانستان وسوريا ولبنان وحتى في المسألة الروسية الأوكرانية، لكن من المهم القول، إن الولايات المتحدة تملك وسائل وأدوات مهمة تستطيع من خلالها تعطيل ما تريد خاصة في مجلس الأمن الدولي، حيث أنها تملك حق النقض – الفيتو، كسلاح للتعطيل وهذا معروف، فلو أيد القرار 14 دولة على سبيل المثال من أصل 15، فتستطيع واشنطن بفيتو واحد التعطيل ما يُذهب التأييد أدراج الرياح، لذلك الجنوح باتجاه الجمعية العامة للأمم المتحدة أمر مهم، بعيداً عن مجلس الأمن، لاعتماد القرارات.
لكن المؤكد أنه لو وقف العالم أجمع إلى جانب فلسطين وشعبها ستبقى الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الصهيوني وكأنه قانون معتمد ودائم في عرف وقانون واشنطن، ولم ننسَ أنه في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تم قطع كل المساعدات المالية المقدمة لفلسطين من الجانب الأميركي، عبر وكالة الأونروا، رغم أن خلفه جو بايدن أعاد التبرع لكن ليس لأجل فلسطين بقدر ما هو التصرف بشكل مغاير لقرارات ترامب، وهذا برأيي يندرج في الحرب بين الجناحين الأميركيين «الجمهوري والديمقراطي»، بالتالي، لا يمكن أن أعتبره أمراً يُسجل لصالح الإدارة الأميركية الحالية على أهميته في مكانٍ ما، وما يؤكد أن السياسات الأميركية واحدة في غالبيتها، أن الوعود التي قدمها بايدن خلال حملته الانتخابية منها وعوده بفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، وفتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن لم يتحقق منه شيء رغم مضي عامين على استلامه سدة الرئاسة، والأهم من كل ما سبق، أنها لم تتخذ موقفاً واحداً ضد الكيان الصهيوني فيما يتعلق بقطاع غزة أو التهويد أو توسع المستوطنات بما في ذلك قصف المدنيين، والأسرى والاعتقالات التعسفية، أو حتى القبول بما يتعلق بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ما يؤكد مرة جديدة أن الولايات المتحدة لم تأخذ يوماً قراراً لصالح إلا مصلحتها ومصلحة الكيان فلا حليف لها متين غيره، وهي المشهود لها ببيع حلفائها والتخلي عنهم في أحلك الأوضاع وأشدها خطورة.
بالتالي، يكشف هذا القرار عن تراجع مكانة الاحتلال الصهيوني في المنظمة الدولية، التي هبّ مندوبها غضباً معتبراً أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب فلسطين ضدهم وهذا بحد ذاته نصر عظيم ولحظات لا يمكن أن تنسى أو تُمحى من الذاكرة، وهي التي أسستها وأعلنت قيامها قبل أكثر من سبعة عقود، لكن سلسلة السياسات العدوانية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني دفعت العديد من دول العالم إلى رفض التسليم بها، والتأكيد على أنها لا تأخذ موافقات مفتوحة على انتهاكاتها وجرائمها ضد الفلسطينيين، وهو ما تجلى في جملة من القرارات ومشاريع القوانين الدولية الأخيرة التي حقق فيها الفلسطينيون إنجازات سياسية كبيرة، ومني الاحتلال بانتكاسات مهينة.
فلن نسلّم على الإطلاق بأن سلطة الاحتلال الصهيوني بكل من فيها سابقين ولاحقين، هم من يقررون مصير فلسطين وشعبها، في فلسطين أشخاص لها السلطة المطلقة في تقرير مصيرها وستقرره بما يتوافق وعودة فلسطين لأهلها وشعبها، وما موقف المجتمع الدولي إلا الخطوة الأولى نحو كثير من الخطوات ستتحقق بإذن الله، لأن الأمل بالله تبارك وتعالى كبير، ومن موقعي هذا أبارك للشعب الأبي، الشعب العظيم الذي تحمّل ما لا يمكن لشعب تحمله، وأقول له، ستعود فلسطين لكم ولنا، وسنصلي جميعاً في المسجد الأقصى، إن لم يكن اليوم، فغداً بإذنه تعالى.