المقالات

بين السطور التعليم قبل التنمية

يصعب تصور إمكانية التخطيط لأي مشروع تنمية فاعل يتماشى مع معايير التطور العلمي والاقتصادي والاجتماعي بدون مشروع تربوي فاعل مبني على أسس علمية منطقية طموحة وليس على أي افتراضات أخرى. التعليم في كل العالم أساس التقدم والتحضر والتطور ،والخالق عز وجل بدأ تكليفه الرباني للرسول الأعظم «ص» بأمر « اقرأ ».. وكرر عز وجل «اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم» .التعليم الان عصب الحياة والتنمية في كل العالم الا ان لكل بلد او امة طريقتها في التعامل مع متطلبات توفير بيئة تنفيذ الخطط والمشاريع الخاصة بالتعليم أولا قبل التنمية. في وقت ما كانت الكويت سباقة في نشر الوعي وفي التخطيط للمستقبل بمشاريع تنموية مبنية من واقع التفوق العلمي والتربوي على بقية دول المنطقة التي درس وتعلم عدد غير قليل من قادتها ووزرائها ومثقفيها وفنانيها واعلامييها في الكويت. الا ان الكويت تأخرت كثيرا عن بقية دول المنطقة لظروف يصعب التقليل من جرم وفضيخة الغزو الذي تعرضت له في الثاني من أغسطس 1990 في أسبابها الا ان الغزو الذي فشل بشكل كامل في فرض امر واقع جديد على الانسان الكويتي وعلى الدولة ككل لم يكن السبب الوحيد لتراجع معدلات التنمية وفي مقدمتها الجزء المتعلق بالتعليم بكل مراحله.
في أواخر السبعينات وأوائل عقد الثمانينات كان التعليم في الكويت يرتقي الى مستوى افضل المعايير الدولية المطبقة على مستوى المنطقة وخارجها، وكانت بعثاتها الدراسية للتعليم العالي محددة بأرقى جامعات العالم . لم يكن تعليم ترف ابدا ولم تكن الكويت قد عرفت بالشهادات المزورة لا على مستوى التخرج ولا على مستوى الخبرة . في تلك الفترة وعلى مدى عقدين على الأقل سبقا فاجعة الغزو الغادر كان التعليم يتطور وفق دراسات وخطط تتوافق مع ما يجري في العالم في مجال العلم والتنوع في مجال التعليم ،ولم تتلكأ او تتعثر جراء دخول منظومة مكتب التربية العربي لدول الخليج الذي الزم الدول الأعضاء وهي دول مجلس التعاون الخليجي الحالي ومعها العراق بتوحيد شبه متكامل لمناهج التعليم فضلا عن التقيد بآلية تغيير لمناهجها الوطنية التي كانت متبعة قبل قيام المكتب. بل ان دول المكتب ارادت الاستفادة من فجوة تقدم الكويت تعليميا الى جانب ضمان تحقق التقدم من قبل طلابها من جهة ومن قبل جهازها التعليمي ومؤسساتها أيضا من جهة اخرى.
لم يكن التعليم في الكويت مجرد مدارس فخمة ولا انفاق مستحق يتوازى مع -ربما -انها كانت الأفضل في العالم العربي ولا مجرد مناهج . كانت العملية التعليمية في الكويت خلية نحل في مراحل التعليم الثلاث ومعها رياض الأطفال والتعليم الخاص والتعليم النوعي الذي كان على مستوى إدارة مركزية للتعليم التطبيقي والتدريب قبل ان يتحول الى هيئة عامة للتعليم التطبيقي توازي التعليم الجامعي في اشتراطات جودة هيئة التعليم والمؤهلات والخبرة والكفاءة . وخلية نحل في مجال اختيار المرشحين للتعاقدات الداخلية والخارجية ولجان التعاقدات والمقابلات والاشراف والرقابة الدورية المستمرة على أداء العاملين في كل الوظائف ،وكان للمكتبات والنشاط المدرسي دور حيوي مكمل ومهم في مجال توفير البيئة النموذجية للتعليم. في تلك الفترة كان الراحل الفاضل جاسم الخالد الداوود المرزوق وزيرا للتربية رئيسا للجامعة ،وكان د.يعقوب الغنيم وكيلا للوزارة . وكان امر إدارة الوزارة بأكملها موضع عدم رضا وتشكيك بسلامة العملية التربوية من قبل ليبراليين طموحين بقفزة في مجال التعليم تتخطى واقع المنطقة برمتها ،ومن ضمن أصحاب هذا الرأي كان كان د. احمد الربعي النائب والاكاديمي الراحل ، وكان وعن استحقاق أحد السياسيين الكويتيين النابغين وكان زميلا لي في العمل الإعلامي على المستويين الصحافي والتلفزيوني ،واصبح فيما بعد وزيرا للتربية الا ان العملية التربوية شهدت في تلك الفترة تراجعا وبداية لكل السلبيات الحالية، وقد يكون سبب ذلك تبعات الغزو وما لحق بالتعليم من ضرر او بسبب الحالة النفسية للناس الذين عانوا ما عانوه من اذى غير مألوف او بسبب تغير جزء كبير من العاملين في التعليم من غير الكويتيين . غير ان حقيقة د. الغنيم تكمن في انه نذر نفسه للعملية التعليمية وتفانى في البحث والدراسة من اجلها ووظف يومه وحياته لوظيفته . فكان يتابع كل صغيرة وكبيرة وكان على اتصال وعلاقة مع كبار التربويين في العالم العربي ومع رجال الفكر والادب ،ولم يترك شاردة او واردة بدون دراسة واستقصاء وبحث ومقارنة . بمختصر الكلام كان الغنيم افضل مسؤول عن التعليم في كل الخليج ولا يمكن مقارنته لا في الكويت ولا في الخليج . وحتى الان وبعد 40 عاما لا اعتقد ان الكويت عرفت متخصصا في المجال التربوي بدرجة علمه وفهمه وخبرته، وحتى المرحوم عبد الرحمن المزروعي وكيل وزارة الشؤون الأسبق الذي يقال انه تزوج الوظيفة لفرط تفرغه لعمله واسهامه في افتتاح مراكز الشباب والمقاهي الشعبية وفي النشاط الاجتماعي بشكل عام ، لا يمكن ان يقارن بإمكانات ودور يعقوب الغنيم لان التعليم لا يتعلق بالقراءة والكتابة والمعرفة والشهادة والمؤهل، وانما هو لبيت والوطن والمستقبل . التعليم أساس البناء للحاضر والمستقبل. فلا تنمية ولا بناء ولا امن وأمان ولا تقدم في أي خدمة « الطب والصحة العامة ، الاشغال وهكذا» .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى