المقالات

وأنطقت الدراهم بعد عي أناسا طالما كانوا سكوتا

تعزو بعض المصادر الضعيفة هذا البيت للإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو غير صحيح، فقد ذكر صاحب كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب كمال الدين ابن العديم بسند متصل عن الحسن بن محمد المدائني صاحب الأخبار انه قال : قال شبيب بن شيبة التميمي ان خالد بن صفوان التميمي قال : إن رجالا أصابوا مالا فتكلموا وعلوا وارتفعو ثم أنشأ يقول :
وأنطقت الدراهم بعد عي
أناسا طالما كانوا سكوتا
فما عادوا على جار بخير
ولارفعوا لمكرمة بيوتا
كذاك المال يستر كل عيب
ويترك كل ذي حسب صموتا
وهذه أبيات في غاية الرصانة، فيها حكمة وعظة، فالناس بطبيعتها تحب المال حبا شديدا، وتحسب لصاحبه ألف حساب، ثم إنها لاتقنع بالقليل، فلا بملأ فم الإنسان سوى التراب إلا من رحم ربي، ولاشك ان المال مهم في حياة الإنسان ولكنه يبقى وسيلة لاغاية، فما بالنا نجعله غاية لاوسيلة ؟ ثم إن كنت غنيا ميسورا فلا تبخل ببذل مالك في وجوه الخير، فهذا هو الباقي لك يوم تلقى الله تعالى، دخل فرات بن زيد الليثي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعطي المهاجرين والأنصار وكان ذا مال كثير إلا أنه يبخل مع جودة الرأي والمكانة بين قومه، فقال له عمر : يافرات، من الذي يقول :
الفقر يزري بالفتى في قومه
والعين يغضيها الكريم على القذى
والمال يبسط للئيم لسانه
حتى يصير كأنه شيء يرى
والمال جد بفضوله ولتعلمن
أن البخيل يصير يوما للثرى
قال : لا ادري ياأمير المؤمنين، غير أني عرفت أن أخا ضبيعة أشعر الناس حيث يقول :
وإصلاح القليل يزيد فيه
ولا يبقى الكثير مع الفساد
فقال عمر : قول الله عز وجل أفضل (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [الحشر : 9] قال : ياأمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول (إن المبذرين كانوا إخوان الشيطان) [الإسراء : 27] قال عمر : فبين ذلك قواما، يافرات، اتق الله، وإنما لك من مالك ما أنفقت، يافرات، أطعم السائل وكن سريعا إلى داعي الله، إن الله جوادا يحب الجود وأهله، وإن البخل بئس شعار المسلم، ثم ترك فرات ماكان عليه من البخل، والمال أما ان يكون صديقك أو عدوك فلا تجمع المال وتحرم نفسك من الإنتفاع به فيكون وبالا عليك وتسأل عنه يوم لقاء الواحد الديان وأترككم في رعاية الله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى