حتى في كييف كذب الرئيس الاميركي جو بايدن ،زارها قبل ايام داعماً متباهياً بتشكيل «تحالف العالم كله من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادي دفاعاً عن اوكرانيا بدعم عسكري واقتصادي غير مسبوق».
الصحيح في التصريح فقرته الاخيرة لا غير.فلم يُقَدَّم عبر التاريخ لدولةٍ، ماتحصل عليه اوكرانيا لمحاربة روسيا وهزيمتها.اما «التحالف العالمي الشامل» الذي اخترعه بايدن ويتوهمه فيضم الولايات المتحدة الاميركية،واوروبا(مع تباينات بين دولها)،وكندا،واليابان،وكوريا الجنوبية فقط. ويتجاهل الانذار القوي الذي تلقته الولايات المتحدة وحلفاؤها المتمثل في ان «الجنوب كله» يدير ظهره للغرب المتورط في الحرب الروسية الاوكرانية التي مضى عليها عام.بما فيه الحلفاء كالبرازيل، والهند،والمملكة العربية السعودية والكويت، والامارات،والمكسيك،والمغرب،وحتى جنوب افريقيا.
التصقت اوروبا غربها ووسطها وشرقها(باستثناء ضعيف هنغاريا وكرواتيا وصربيا) على نحو غير متوقع باميركا ضد روسيا،لكن المفارقة ان تأثير اميركا واوروبا على الجنوب قد تراجع .
هذه الحقيقة المهمة ،كشفتها دراسة لمجلس العلاقات الخارجية الاوروبية أُعدَّت على اساس استطلاع الرأي العام في15 دولة حول العالم بإشراف خبراء ذوي مصداقية مثل تيموثي غارثون آش«بريطاني»، وإيفان كراستيف «بلغاري»، او مارك ليونارد «مدير المجلس».
تؤكد الدراسة ان الاغلبية في دول عديدة شملها الاستطلاع،مقتنعة بأن عصر ما بعد الحرب الباردة التي هيمنت فيه اميركا واوروبا على العالم قد انتهى. 10 % من الاميركيين يرون ان الهيمنة الاميركية لن تستمر اكثر من 10 سنوات ،فيما لا يرى ذلك سوى7% من سكان الاتحاد الاوروبي.
لا ترى الدراسة ان الجنوب واقع في غرام روسيا والصين،انما يقول :كفى لهيمنة الغرب. ويريد ان يستفيد من الوضع لتعزيز موقعه في السياسة والاقتصاد العالميين.وهو يرى انه لن يكون في العالم مُهيمِن وحيد،انما متنافسون من الوزن الثقيل.وسيسعى الجنوب للاستفادة من هذا الوضع .ما يعني ان الانتهازية ستصبح مبدأ العلاقات الدولية.ولا يشارك الجنوبُ الغربَ رؤيته في ان العالم سيكون ثنائي القطبية :اميركا والصين وحدهما،بل متعددها .فتكون معهما روسيا والهند وربما تركيا.قد يكون الغرب القطب الاقوى وليس المهيمن. ما يسمح للجنوب بالاستفادة من تنافس الاقطاب لاستقطاب حلفاء حسب الحاجة.
سيكون التنظيم الجديد للعالم مفيداً جداً للجنوب. فأي نزاع بين الاقطاب الرئيسين مناسبة لتعزيز مكانته وقدرته على اتخاذ قرارات سيادية. ويمكن لدوله ان توافق اميركا والغرب في اشياء وتعارضهما في اخرى. وعندما توافق الغرب ،تكون قادرة على ابقاء علاقاتها جيدة مع موسكو وبكين . تماما كما تفعل السعودية خلال الازمة الاوكرانية. فرغم تحالفها التاريخي مع اميركا، ترفض ضغوطها لزيادة انتاجها النفطي فينخفض السعر ما يؤثر سلبا على روسيا. اما الهند ، فقد اعلنت الاسبوع الماضي ان تبادلها التجاري مع روسيا ارتفع خلال الحرب 400 بالمئة.فيما اعلنت جنوب افريقيا انها ستجري مناورات مع البحرية الروسية.
تنظر دول الجنوب ، حسب الدراسة، الى « الغزو الروسي» بمنظار مصالحها الوطنية. ادانته عموماً، لكنها لم توقف تجارتها مع روسيا،واستقبلت بالاحضان وزير خارجيتها لافروف الذي زار تسعة بلدان افريقية وشرق اوسطية وحضّر لقمة افريقية-روسية، مايمكّن روسيا من خرق عقوبات الغرب والالتفاف على حصاره لها.
الجنوب لا يأخذ بجدية ادعاء الغرب بان دعم اوكرانيا ومعاداة روسيا مسألة مبدأ واخلاق ودفاع عن الحرية والديمقراطية. بل هو يرى ان الغرب يريد من الحرب توسعة هيمنته شرقا .فلا يعتبرها الجنوب حربَه، ولا يريد ان يُحْسب على طرف ،او ان يضحي بمصالحه الوطنية ويعاقب روسيا.
لذا توصي الدراسة الغرب بأن عليه التعامل مع الجنوب بصفته دولاً مستقلة قادرة على اختيار الموقف الصح في مسيرة التاريخ.