في العام 2008 وما بعده انتشر في الكويت مصطلح «ناشط سياسي» لكل من يخطط للنزول للانتخابات البرلمانية ،وأصبحت القنوات الفضائية تعج بهم بسبب شغفهم المتواصل للبروز الإعلامي دون أن يكون للبعض منهم أي خلفية إعلامية أو سياسية تخولهم الولوج إلى عالم التحليل.
أحد من كان يطلق على نفسه «ناشط سياسي «كان يطالب بالحكومة المنتخبة وتداول السلطة والسماح بعمل الأحزاب ، فقلت له :أعطني مثالا عربيا ناجحا للنظام الحزبي كي نقتدي به فضرب مثالا بالنظام البريطاني !
قلت له :لايمكن أن يكون المقياس صحيحا، فاذا اردنا ان نقيس مدى نجاح تجربة الأحزاب وتداول السلطة فيجب أن نقيسها على مجتمعات وشعوب نشترك معها بالعادات والتقاليد والدين والتاريخ والثقافة وليس العكس كما مثالك بالنظام الانكليزي .
وسأشرح لك ذلك بمزيد من الشفافية والصراحة التي لاتخلو من جلد الذات ، فالثقافة العربية ترتكز بصورة رئيسية على الاعتزاز بالرأي الواحد دون احترام الرأي الآخر وإن ادعينا احترامه وتقبله.
والأمثلة كثيرة على ذلك ،فبعد استقلال العديد من الدول العربية من الاستعمار الغربي حاولت تلك الدول اقتباس النموذج الغربي في الحكم القائم على التعددية الحزبية وتداول السلطة واحترام إرادة الشعب في الاختيار، لكن الذي حدث هو هيمنة نظام الحزب الواحد القمعي على الحكم ومرافق الدولة والقامع للأحزاب المنافسة له، فظهرت الدول الدكتاتورية وانتهى حلم الدولة الديمقراطية التعددية وذلك بسبب انعدام ثقافة الديمقراطية .
العراق شاهد آخر على العقلية العربية المختلفة تماما عن العقلية الغربية ،فبعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة قام الأمريكان بصياغة دستور علماني ديمقراطي وضعوا فيه جميع بنود الحرية والديمقراطية والمساواة الموجودة في اغلب دساتير دول العالم المتقدمة، لكننا لم نر في العراق سوى الطائفية والفساد والقتل والدمار بسبب عدم الإيمان بتلك المبادئ الموجودة في الدستور ،وللثقافة المتجذرة في الإنسان العربي والتي بصريح العبارة لا تؤمن بالرأي الآخر !
كثير من مدعي الليبرالية والمطالبين بالحكومة المنتخبة في الكويت كانوا ومازالوا يطالبون بتحول البلاد إلى نظام حزبي تعددي يتم من خلاله تداول السلطة وتطبيق النموذج الغربي في الحكم دون أن يعوا الاختلاف الثقافي والتاريخي والبعد الديني بين الغرب والدول العربية والخليجية خاصة..
ويصدح الكثير من الليبراليين ليل نهار بالمطالبة بالحرية واحترام الرأي الآخر، ولكن تلك الشعارات تخفت وتصمت حينما تنتهك تلك المبادئ على جدار الخصوم السياسيين فلا تجد لهم صوتا.
بل الكثير منها تجده في حياته الخاصة يمارس أشد أنواع العنصرية تجاه الآخرين ولا يتقبل الرأي الآخر، ثم في العلن يطالب بالديمقراطية واحترام الآخر.
خلاصة القول ، لايمكن أن ينجح النظام الحزبي والحكومة المنتخبة في الكويت والدول الخليجية بل والعربية طالما ثقافتنا لاتزال عالقة بها العنصرية والطائفية والقبلية وحب الذات وعدم احترام الرأي الآخر، فقبل أن تطالب بتقبل ثقافة تداول السلطة والحكومة المنتخبة انشر ثقافة احترام الآخرين وتقبلهم دون تمييز وعنصرية.