المقالات

بين السطور أسلحة صامتة لحروب هادئة

كتبت قليلا من قبل عن نعوم تشومسكي المفكر الأميركي الذي لا استطيع التقليل من شأنه ان اختلفت معه ولا إضافة شيء الى قدره ان اتفقت معه. تشومسكي ينادي لمن يتفق او يختلف معه عشر استراتيجيات لالهاء الشعوب عايشت قدرا من شبيهاتها في طفولتي في العراق عندما انشغل الناس يومها عن النظام الديكتاتوري الجديد الذي ازاح عبد الكريم قاسم في 1963 وهو الذي ازاح النظام الملكي المستقر في 14 تموز يوليو 1958 ، وبدأت الشوارع قبل العقول تتناسى الحالة المزرية التي اندفع اليها العراق بالاعدامات والاعتقال والخطف والاختفاء والسحب بالحبال والشنق والجهل والتراجع الاقتصادي ،الى الانبهار بمصارع أميركي عراقي الأصول تغلب على مصارع كندي عالمي بالضربة العكسية التي اشتهر بها العراقي او الأميركي. المفكر الاميركي دعا في استراتيجية الالهاء الى العمل على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية واشغاله او الهائه بمسائل تافهة لا أهمية لها. نعم ابق على الجمهور مشغولا مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير. فقط عليه ان يعود الى الحظيرة في البيت او المزرعة او مكان العمل او الدراسة مع غيره من الحيوانات الأخرى. لاحظ ان تشومسكي يتحدث عن واقع حال حاصل حتى في اميركا. وهو ما يرد ضمن ما يصفه البعض بمقتطف وثيقة أسلحة صامتة من اجل خوض حروب هادئة. الاستراتيجية الثانية: اخلق المشكلة ووفر الحل. وهو حاصل ما يجري في أفضل لا أسوأ الدول العربية التي تستعذب شعوبها سياسة الرقص في الهواء الطلق او المراوحة دون التقدم خطوة واحدة في محطة قطار لا تكاد تتوقف فيها القطارات ومطار دولي مثل هيثرو حيث تهبط طائرة قادمة وتقلع طائرة مغادرة بمعدل كل دقيقة. والحقيقة ان هذه الاستراتيجية تستخدم عندما يريد من هم في السلطة أن يمرروا قرارات او سياسات معينة قد لا تنال القبول الشعبي إلا في حضور المشكلة التي قد تجعل الناس أنفسهم يطالبون باتخاذ تلك القرارات لحل الأزمة. وتعرف بطريقة « المشكلة – رد الفعل- الحل» من خلال اختلاق موقف أو مشكلة يستدعي رد فعل الجمهور، فعلى سبيل المثال : دع العنف ينتشر في المناطق الحضارية أو قم بالتحضير لهجمات دموية، ما يجعل الجمهور هو الذي يطالب السلطة باتخاذ إجراءات وقوانين وسياسات أمنية تحد من حريته« شهد العراق في الثمانيات ظاهرة ما عرف باسم أبو طبر وشهد ظهور داعش وقبله الزرقاوي بعد 2003 بحجة مقاومة الوجود الأميركي في العراق والمنطقة» . أو اختلق أزمة اقتصادية للقبول بحل ضروري يجعل الناس يغضون الطرف عن حقوقهم الاجتماعية وتردي الخدمات العامة باعتبار ذلك الحل « شر» لابد منه. وتسمى الثالثة» ’التدرج» لتحقيق ما يمكن قبوله من تدابير تجبر الانسان على تقبلها تدريجيا بأسلوب القطرة قطرة. وشهدت حقبتا الثمانيات والتسعينات فرض عدد من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الجديدة المختلفة بشكل جذري عن سابقاتها تدريجياً وأدت الى ازدياد نسبة البطالة، وفرض مرتبات غير لائقة، وعدم الاستقرار، واللا مركزية والتوسع في الخصخصة ونقل الملكيات من إدارة لاخرى. بالإضافة الى العديد من التغييرات الجذرية التي كان يمكن ان تتسبب بثورة لو تم تطبيقها تدريجيا او دفعة واحدة من قبل الدول وبدون طلب من الشعب. فيما تعد استراتيجية التأجيل وهي الرابعة في قائمة تشومسكي واحدة من الطرق التي يتم استخدامها لتمرير القرارات غير المقبولة شعبياً وذلك بطريقة تقديمه على انه» موجع لكن ضروري». إذ أن من السهل أن يتقبل العامة قراراً مستقبلياً على أن يتقبلاراً فورياً حتى وان كان المستقبلي أكثر ضررا او تبعات من كل نوع. لأن لديهم اعتقادا بأن « المستقبل دائماً عام لديهم افضل» كما ان هناك اتجاها عاما يؤمن بإمكانية قبول تجنب التضحية المطلوبة. وهذا يعطي المزيد من الوقت للعامة كي يتأقلموا مع القرار ومن ثم القبول به حتى تنفيذه. الاستراتيجية الخامسة قائمة على مبدأ مخاطبة العامة كأنهم «أطفال». وذلك بالتوجه الى شخص ما كما لو انه لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، فأنه يتم الإيحاء له بأنه فعلا كذلك. وبسبب قابليته للتأثر، من المحتمل له بأنه فعلا كذلك، من المحتمل إذن أن تكون اجابته التلقائية أو رد فعله مفرغة من أي حس نقدي كما لو أنه صادر فعلا عن طفل ذي اثنى عشرة سنة. وتقدم الاستراتيجية السادسة الجانب العاطفي على الجانب التأملي على اعتبار ان استخدام الجانب العاطفي هو أسلوب كلاسيكي للقفز على التحليل المنطقي والحس النقدي للافراد بشكل عام. فاستخدام الجانب العاطفي يفتح المجال للعقل الباطن اللاواعي لغرس الرغبات والأفكار والمخاوف والقلق والحض على القيام بسلوكيات معينة. في حين الاستراتيجية السابعة مبنية على عامل إبقاء العامة في حالة من الجهل والغباء وهو امر يتحقق فقط في حال الإبقاء على جودة التعليم المقدم للطبقات الدنيا، رديئة بشكل يعمق الفجوة بين تلك الطبقات والطبقات الراقية التي تمثل صفوة المجتمع. وبذلك يصبح من المستحيل على تلك الطبقات الدنيا معرفة اسرار تلك الفجوة. وتشجع الاستراتيجية الثامنة العامة من الناس على القبول والرضا بجهلهم. وتقنعهم بأن من الطبيعي والمألوف أن يكونوا جهلة وأغبياء وغير متعلمين. وتعمل التاسعة على تحويل التمرد الى شعور ذاتي بالذنب. من خلال جعل كل فرد يشعر بانه هو السبب في التعاسة التي هو فيها وفي سوء حظه. وذلك ينجم من جراء قصور تفكيره وتواضع ذكائه وضعف قدراته، وقلة الجهود المبذولة من جانبه. وهكذا وبدلا من أن يتمرد على النظام ينغمس في الشعور بالتدني الذاتي الذي يؤدي إلى حالة من الاكتئاب تحت أي محاولة للفعل لديه. وتوقفه عن محاولة القيام بأي فعل لأنه يصل الى القناعة بأنه بأن الثورة التي عمل من اجلها وضحى لن تتحقق ابداً. وأخيرا وفي الاستراتيجية العاشرة يبني تشومسكي نظريته على العمل على معرفة الأشخاص أكثر مما يعرفون أنفسهم. فقد أدى التقدم العلمي المتسارع الذي شهدته الخمسون عاماً الأخيرة إلى توسيع الفجوة بين المعرفة العامة والمعرفة التي تمتلكها النخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء والاعصاب وعلم النفس التطبيقي تمكن « النظام» من معرفة الكائن البشري جسدياً ونفسياً. فالنظام يستطيع معرفة الشخص العادي بشكل أفضل مما يعرف هو نفسه. وهذا يعني أن النظام، في أغلب الحالات، هو الذي يملك أكبر قدر من السيطرة والسلطات على الأفراد أكثر من الأفراد أنفسهم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى