هذا البيت له قصة عجيبة وكائنة غريبة ،فقد كان أحمد بن المدبر واليا على دمشق فسن سنة للشعراء وهي أنه من جاء يمدحه بشعر رديء وجه به مع خادم له الى الجامع فلا يفارقه الخادم حتى يصلي مائة ركعة ثم يصرفه، فدخل عليه الحسين بن عبدالسلام الشاعر المصري المعروف بالجمل واستأذنه بالإنشاد فأذن له فقال:
أردنا في أبي حسن مديحا
كما بالمدح تنتجع الولاة
فقالوا أكرم الثقلين طرا
ومن جدواه دجلة والفرات
وقالوا يقبل الشعراء لكن
أجل صلات مادحه الصلاة
فقلت لهم ومايغني عيالي
صلاتي إنما الشأن الزكاة
فيأمر لي بكسر الصاد منها
فتصبح لي الصلاة هي الصلات
فضحك ابن المدبر وأحسن جائزته، وكان الجمل شاعرا مفلقا مشسهورا مدح الخلفاء والأمراء ولد سنة سبعين ومئة للهجرة وتوفي سنة ثماني وخمسين ومئتتين، ومن شعره السائر:
إذا أظمأتك أكف اللئام
كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى
وهامة همته في الثريا
أبيا لنائل ذي ثروة
تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقة ماء الحياة
دون إراقة ماء المحيا
اما ابن المدبر الذي اشرت اليه فهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبيدالله المدبر أحد كبار كتاب الدولة العباسية في القرن الثالث الهجري عرف بالبلاغة والبراعة في كثير من الفنون فأعجب به الخليفة جعفر المتوكل فولاه ديوان الخراج وأعمالا جليلة أخرى فحقد عليه بعض الكتاب ووشوا به فخرج الى دم دمشق وتولى خراجها ثم تولى خراج مصر واستقر بها وكثر اتباعه، ولما تولى مصر أحمد بن طولون ساءت علاقته به، وهو في الأصل من أهل سامراء وأخوه الوزير ابراهيم بن المدبر، ثم سجنه ابن طولون وعذبه وضيق عليه وصادر أمواله فيقال أنه أمر بقتله ويقال مات في سجنه وكان قد طلبه ابن طولون وسأله عن حاله فقال ابن المدبر: تسألني عن حالي وأنت فعلت بي مافعلت ياعدو الله خذل الله من يأمنك فامر بقتله وكان ابن المدبر اكبر جاها منه قبل ان يتولى مصر فكانت هذه نهاية هذا الرجل الأريحي السخي علي يد ابن طولون ولله الأمر من قبل ومن بعد ودمتم سالمين.