المقالات

متشقلبون

الخطاب السامي الذي ألقاه سمو ولي العهد قبل أيام تجاوز مرحلة الإيجابية ووصل لمرحلة أصبح فيها معياراً لقياس درجة ثبات الأشخاص على مواقفهم، وكما تعلمون أن هناك أشخاصا كانوا يقفون ضد منهجية الحكومة والمجلس الفاسدة «قبل الخطاب» لكنهم لم يصمدوا على هذا المبدأ فأصبحوا «متشقلبين» على مبادئهم مستفيدين من الفساد، ولكن بعد الخطاب، من الذي يجب أن يتشقلب فعلاً ومن الذي يجب أن يبقى ثابتاً على مبادئه؟
في البداية أحب أن أنوه إلى أن المعني في هذه المقالة هو الشعب، فالشعب كما أراه هو المعيار الأساسي الذي تنطلق منه المبادئ لتعم بقية الأطراف المكلّفة بالشأن السياسي، بمعنى أن كل من ينقلب أو «يتشقلب» على مبادئه يكون قد انقلب على الأسس الشعبية. وبعد هذا التأصيل المنهجي وجب علينا معرفة المبادئ التي يجب أن نضعها كأسس نقيّم بناء عليها الوضع السياسي وأداء الشخصيات السياسية حتى نعرف من هو المتشقلب الحقيقي ،وبذلك نكون قد بدأنا بالإجابة عن السؤال المطروح في المقدمة.
إن المعيار الأساسي والذي لا بد أن يكون هو العنصر الأول لتقييم أوضاعنا السياسية وأداء القياديين والنواب هو «الإصلاح»، والأكيد أن الإصلاح أصبح اليوم كالعلكة تتقلب على كل لسان، فالفاسد واللص والمتنفذ جميعهم يدعون الإصلاح، بل إنهم لا يستطيعون مباشرة فسادهم ونهبهم لخيرات البلد إلا عبر ادعائهم الإصلاح، وهذه الادعاءات من قبل كل متردية ونطيحة إنما جعلت مفهوم الإصلاح لا قيمة له وجعلت دعاوى المصلحين الحقيقين تذوب في بحر الادعاءات الكاذبة التي يدّعيها كل من يريد التسلق على ظهور المواطنين، وهذا ما يجعل مسؤولياتنا كمواطنين تصبح أكثر خطورة وجسامة حيث أن المطلوب منا في ظل هذه الأوضاع البائسة ليس فقط البحث عمن يدّعي الإصلاح بل إن المسؤولية تحتّم علينا أن نبحث عن نوايا هؤلاء المدعين.
وبعد كل ما تقدم لم يبق أمامنا إلا أن نطبق النظريات السابقة على واقعنا السياسي لمعرفة من هو الثابت على المبادئ ومن هو المتشقلب، ومتى يجب أن نكون ثابتين ومتى نكون متشقلبين، ولا تنسوا أن الخطاب السامي هو معيارنا في هذه المرحلة، وكما تعلمون أن الوضع السياسي ما قبل الخطاب كان «فساد وفشل وضياع محض «وكان الإصلاحي آنذاك هو من يتصدى لذاك الوضع وتلك المنهجية الفاسدة ،والمتشقلب هو من كان يدّعي محاربة تلك المنهجية ،ثم إذا أتيحت له الفرصة ركع لها ليستفيد منها، حتى جاء الخطاب السامي الذي يعتبر الخطوة الأولى لمرحة انتقالية تغييرية، وبذلك تكون الشقلبة هذه المرة ليست شقلبة أشخاص، بل إن الأوضاع السياسية هي التي تشقلبت ووجب علينا أن نتشقلب معها لمصلحة الكويت، فمن كان يقف ضد الحكومة بالأمس يجب عليه اليوم دعمها في بدايتها الإصلاحية ،وعلى العكس فمن كان يشعر بالاستقرار في منهجية الفساد السابقة ستجدونه اليوم ينتفض ضد الإصلاح لأن مصالحه الخاصة قد توقفت، وكل ما علينا فعله اليوم هو أن نكون حذرين من مؤامرات وإشاعات فلول المنهجية السابقة الفاسدة حتى لا نعيدهم ثانيةً للمشهد السياسي. وتأكدوا أنه ما دامت مصلحة الكويت ستتحقق اليوم بانقلاب الأوضاع رأساً على عقب، فكلنا متشقلبون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى