يبدو أن الشهادات العلمية والأكاديمية هي عبارة عن حشو معلومات لا تعبّر عن تثقيف أو تهذيب أو حتى تأديب أصحابها، ففي بعض المواقف، المثقف كالجاهل، الفرق بينهما المسمى الوظيفي والدرجة العلمية، في حين أن الجامع والمحرك الأوحد هي الغرائز، لا غريزة البقاء ولا غريزة الحياة، هي غريزة رفض وعدم تقبل الآخر وأهمها نبذ الحقائق التاريخية.
الحقيقة التارخية أن تتجرد أن تقول التاريخ الذي حدث وتسقطه على الواقع بمقارنات واضحة وساطعة سطوع الشمس، فإن كنت لا تريد قول الحقيقة يكفي الوقوف جانباً أو على الحياد، وشخصياً شرحت كثيراً وكثيراً عن مرحلة الغزو العراقي للكويت، ولم أفوت مناسبة ونحن اليوم في السنة 32 على هذا الغزو، ويخرج أحدهم ويقول إنه «غزو صدامي» لا «غزو عراقي»، لم يسأل أحدهم ماذا حلّ بالكويت وما هي الآثار المترتبة على هذا الغزو، وكيف دُمّرت المنطقة العربية وكان هذا الغزو نقطة انطلاق خراب الأمة، الخلاف اليوم بين «عراقي وصدامي» فهل يُعقل أن يجاهر البعض بالقول في خطاب من هذا النوع، فلماذا لا يقولون إذن إن الحرب العراقية – الإيرانية، هي حرب صدامية – خمينية؟ ولكن ومنعاً للتدليس، إن الغزو كان وسيبقى عراقياً، قام به الجيش العراقي الذي كان من أقوى جيوش العالم بشهادة الكثيرين، وكان صدام حسين حاكم هذا البلد لعقود، سواء اتفقت أم اختلفت معه، لكن لم يخرج أي زعيم عربي إلى يومنا هذا ويركع الصهيوني سواه، نعم لقد احتل الكويت وهذه نقطة سوداء في سجله سيحملها معه حتى بعد رحيله، لكن هذا لا يلغي حقيقة أنه كان رئيساً قوياً ويُحسب له ألف حساب، التاريخ لا يكذب، وهنا لا نتعاطف معه أو مع غيره، بل نقول حقيقة ساطعة، ولعل الوضع الحالي للعراق يؤكد هذا الكلام.
فمن المعيب اليوم أن نجد ثلة من المثقفين والأكاديمين ومن لف لفيفهم يتباحثون في قشور الأمور وهم أنفسهم مغيبون عن الحقائق، وما أستغربه أن أجد أناسا ينزعجون من حقيقة أن جيشهم كان من أقوى الجيوش، هل حدث في عهد صدام حسين مثلاً أن تجرأ احد واقتحم موقعاً مسؤولاً كما حدث في مجلس النواب العراقي؟ هل علّق أحدهم على الصور التي تم تداولها وكيفية تحطيم هيبة الدولة أمام عدسات كل وسائل الإعلام العالمية؟ هذا لم يتحدث عنه المثقفون والأكاديميون إنما الخلاف بين «غزو عراقي وغزو صدامي» مع الأسف، مخجل تكرار مثل هكذا أمور لكن المحلل السياسي والباحث والمفكر والكاتب سمّه ما شئت، إن لم يتجرد من العواطف لا يمكن أن يبني تحليلاً سليماً يتحدث فيه عن واقع الأمور لا عن قشورها.