تعيش الكويت اليوم حالة سياسية غريبة، لعل الشعب الكويتي غير مستوعب للأحداث المتسارعة، فمن حل المجلس إلى منع النواب من إنجاز المعاملات إلى فتح أبواب القياديين والوزراء أمام المواطنين، إلى تكويت القضاء ثم البلدية إلى فحص شهادات الموظفين وغيرها من إصلاحات، والأكيد أن الشعب بالرغم من التفاؤل يعيش حالة من الخوف، وباعتقادي أن خوف المواطنين في المرحلة الحالية أكبر من تفاؤلهم، فما سبب التفاؤل؟ وما سبب الخوف؟ وأي الشعورين سينتصر في نهاية المطاف؟
إن تقييم العملية السياسية اليوم لا يقتصر على الحكومة والمجلس اللذين انتهت أعمارهما بالخطاب السامي «خطاب الحل» واللذين انطلقا عام 2013 وانطلقت معهما حياة التعاسة والفشل في الكويت، بل إنهما كانتا منهجية قديمة ابتدأت مع بداية الحياة البرلمانية في الكويت، فمنذ ذلك الحين والحكومة تحاول التخلص من البرلمان ومن صوت الشعب الكويتي وتكون كالدول المجاورة لا تعرف شئ عن الديمقراطية عبر تزوير الانتخابات وتعليق الدستور، لكن صمود الشعب الكويتي وتمسكه بالحياة البرلمانية أجبر الحكومة على قبول وجود البرلمان، لكن الحكومة التي عجزت عن إلغاء البرلمان لم تستسلم له، فقد بدأت بالإلتفاف عليه وتهميش دوره عبر إقحام المال السياسي وتحويل حقوق المواطنين إلى مطالبات لا يتم إنجازها إّلا عبر نائب معاملات «مندوب» ومع الأسف نجحت بهذا النهج الذي أفرغ البرلمان من محتواه ما نتج عنه انعدام الرقابة والتشريع فانعكس ذلك على كل مؤسسات البلد التي أصبحت بلا أي انتاجية بل إن الهدف منها أصبح صرف الرواتب والمكافآت للقياديين الذين تم تعيينهم بالمحاصصة والترضيات فقط، ثم جاء خطاب الحل بعد مرحلة امتازت بالفشل والفساد ليتنفس الشعب الكويتي ويشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه، لكن الشعب لا يزال يعيش حالة من الخوف من أن تكون هذه الإصلاحات مؤقتة، لذلك تقع اليوم على عاتق الحكومة مسؤولية جسيمة لا يمكن التعامل معها بعشوائية كما كان الوضع السابق بل على الحكومة أن تدرس كل خطوة من خطواتها.
إن دولة الكويت تعتبر دولة حديثة، وما مرت به يعتبر الخطوة الأولى من حياة هذه الدولة الحديثة، فنظامها الدستوري والإداري لم يتجاوز الستين عاما، ومن المؤكد أن التجربة الأولى في كل الأمور غالباً ما تكون ضعيفة ويتخللها الكثير من الأخطاء التي يتم تجاوزها في الخطوة الثانية، وقد جاء خطاب الحل ليكون هو السبب والفرصة التاريخية لانتقال الدولة من خطوتها الأولى لخطوتها الثانية، ولكي تنجح الدولة في الانتقال يجب أن تعرف مكمن الخلل ،وهو باعتقادي ليس ضعف الدستور كما يروج البعض بل إن دستورنا متين ومحكم لكن الحكومات والبرلمانات السابقة لم يلتزموا بتنفيذه بالشكل الصحيح، وهذا هو مكمن الخلل، وعلى الحكومة اليوم أن تعلم ان إضاعة هذه الفرصة التاريخية لن تنقل البلد من خطوتها الأولى لخطوتها الثانية ،وهو ما لا يتمناه لا الشعب ولا الحكومة نفسها، فالدولة يجب أن تنتقل للمرحلة الثانية بذات الدستور لكن بمنهجية تنفيذية جديدة يحكمها العدل والمساواة بدلاً من التنفيع والفساد والتعطيل، وبذلك يستمر شعور التفاؤل بدلاً من اليأس الذي كان يعيشه الشعب، فالشعب يريد إصلاحات حقيقية لا إصلاحات شكلية تقتصر على تغيير الأسماء.