المقالات

لا تكونوا كأصحاب السبت

جحود النعمة من أخطر ما يبتلى به المسلم ، فهناك منا ممن أنعم الله عليهم بواسع نعمه، ومنحهم الكثير من عطاياه من صحة ومال وراحة بال وأولاد.. ومع ذلك لا يقابل هذه النعم بشكر الله، ويظل يردد أنه لايزال ينقصه الكثير، فلا يحمد الله على ما أتاه ، ولا يشكره على ما أعطاه وهذا الحال نراه بكثرة في زماننا هذا ففي زياراتي للاخوان في دواوينهم والالتقاء بهم في مختلف الأماكن نسمع الكثير منهم يشتكي الفقر والهم وضيق الحال وكثرة المتطلبات ويصور لك نفسه أنه لا يملك شيئاً من حطام الدنيا.
وعند سؤاله :هل تستشعر النعم ؟تكون إجابته الفورية :الا ماهو بنكك؟
فيقول بنكي هو البنك الفلاني الربوي ، ولو نظرت إلى صلاته وعباداته تراها معدومة ،وقد وصل الحال بالكثير من الأخوة إلى التحايل على أوامر الله وتشريعاته ،فهناك من يأخذ الفتاوى من غير أهلها ويكتفي من الفتوى بما يناسبه ويتماشى مع أهوائه وقناعاته ،فكيف لايريد أمثال هؤلاء أن ينزل عليه وعلى أمثاله عقاب الله وسخطه كما حدث للقرية التي كانت تعيش في رغد واطمئنان لكنها كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع جزاءً لما اقترفوه من جحود ونكران لنعم الله عليهم ،وفي هذا العصرٍ الزاخرٍ بالصراعات المادية والاجتماعية، والظواهر السلوكية والأخلاقية، والمفاهيم المُنتكِسة حيال الشريعة الربانية ظهرت قضية بلَغَت من الخطورة ذروتها ،ولم يسلم من الوقوع فيها إلا القليل ، والتي ترجع أسبابها إلى الجشع ،والطمع وحب النفس والمال وعدم مراقبة الله إن التحايُل على شرع الله، والخداع في أحكام الله، والعدول بها إلى غير حقائقها، ووضعها في غير سياقاتها الشرعية وطرائقها. مُعضِلةٌ مُفجِعة، ومُشكِلةٌ مُفزِعة، تضر بالأفراد وتنزل القحط والبلاء بالمجتمعات فتنتزع البركة وتحل الأوبئة والأزمات لقد ضرب الله لنا المثل بأصحاب السبت ، فلقد حرم الله -تعالى- عليهم الصيد في يوم السبت, وابتلاهم وامتحنهم فكانت الحيتان تأتيهم في هذا اليوم كثيرة طافية على وجه البحر, فإذا ذهب يوم السبت (لا تَأْتِيهِمْ) أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا, فتحايلوا على الصيد فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك لم يأخذوها، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها؛ فانتشر ذلك الأمر بينهم حتى جاهروا بالصيد بعد ذلك, فأحلوا ما حرم الله عليهم  بمثل هذه الحيل.
 ولأجل هذا التحايل على المحرمات عاقبهم الله بأن مسخهم قردةً وخنازير, فقال تعالى: «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ», ثم توعّد من يفعل مثل فعلهم, (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
وفي واقعنا المعاصر تكثر فيه العقليات المحللة التي تجتهد وتتفنن في التحايل على أوامر الله تعالى وتبدع في تحليل الحرام والمجاهرة به على طريقة أصحاب السبت التي نهى عنها الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح «لا ترتكبوا ما ارتبكت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل».
لسنا بمأمن من أن يصيبنا ما أصاب أصحاب السبت من خسف ولعن بعد أن تشبهنا بهم وامتثلنا لمنهجهم القائم على التحايل على أوامر الله .
ومن التحايل على الحرام: التحايل على الرشوة التي لعن النبي -عليه الصلاة والسلام- صاحبها, فيدفعونها للموظف في صورة أتعابٍ أو تخليص معاملة, أو نحو ذلك من الصور والأسماء التي غلفت بها الرشوة؛ لتكون مقبولةً مباحة, أو يعتبرونها هدية
ومن صور التحايل على شرع الله ما نراه في الطلاق البائن واستئجار زوج بل تيس مستعار، يُحلِّلُ للمرء زوجته بعد أن بانت منه لتعود إليه، وهو لا يريدها زوجًا، ولكنه استُعير لمهمة استلم حقها مسبقًا.
وهناك أقوام تحايلوا على دين الله بتتبع الرخص، واقتفاء زلات العلماء فتنقلوا بين المذاهب، ونقبوا في بطون الكتب والمراجع ، وأخذوا بالشاذ والضعيف؛ يبتغون رخصة، ويبحثون عن عذر، ويستنتجون إباحة،فالربا الذي يعلم القاصي والداني حرمته، ويفرُّ من التعامل به.يتعامل به المرء بأريحية حين يكون تحت مسمى الفوائد والأرباح، والخمر الذي تعافه النفوس، وتنفر منه الطِّباع، يتجرعه البعض حين يسمونه مشروبًا روحيًّا، وقد تنبأ بذلك سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم- فقال: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» «أبو داود وصححه الألباني»، فلا نجاة ولا رفعة لنا ولا تقدم لأمتنا إلا بتمسكنا بديننا وتطبيقنا لمنهج شريعتنا نحل حلالها ونحرم حرامها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى