المقالات

عام مضى… وأنا حزين

في ذكرى مرور عام عن عامنا، نشرد في احتمالات لا متناهية، كشاحنة من فرط حماستها غرقت في لجة، أو لنقل كفكرة تاهت في عسر الإجابة. جاء العام الجديد في غفلة منا، كانفجار مفاجئ لإطار السيارة، ما يفسر أن التحكم بمسار حياتنا أصبح مجرد أمنية. تلاشت رزنامة التقويم وسالت في أحشاء الأيام المندفعة، مثلما لم يعد في المتناول عد وإحصاء الموتى والقتلى، من فرط ما يتساقطون بفعل الحروب والكوارث والأوبئة. لم تعد الحدود واضحة كما كانت، تلاشت واضمحلت، وغاب طعم الفروقات بين الأيام والشهور، بين المواسم والأعياد، حتى صارت متساوية في الضجر والرتابة وانهيار الأحوال.
تلاشت فروقات الأحاسيس وانفلتت من مرابضها الحصينة، الى ساحة المحو والغفلة والنسيان، لم يعد فرح اللقاء كما كان، تبدد في الغبار الراكض المتراكم من غير هوادة. والحب كما عرفناه محركا للحياة، اكتشفنا مؤخرا أنه توأم الحماقة، ولم يعد من العمر متسع لحماقات جديدة. والأطفال الذين أعرفهم كبروا وتفرقوا، بعضهم أكلته الحروب والفيضانات أو مات بالسرطان، بعضهم امتصته الأرصفة والأوهام، بعضهم مثلي يقف في حالة كرنفالية كأنما يحتفل بموته، كأنما يشيع هذا الموت بحطام أصوات وضحكات، غير أنه يشبه الاحتفال الجنائزي، متقشف وخالي من المهابة التي تمنحها اللحظات الكبرى.
نلتقي بالأصدقاء بعد غياب طويل، نلتقي بهم قادمين من شوارع ومدن وانكسارات، تمر الأيام معهم في هذيان ما بين المحبة وقسوتها، اليقين والالتباس، والوعد وخيباته، لقاء مؤلم يترك في القلب ندوبا ويرسم في الروح ذكرى.
قبل أيام معدودة استقبل الناس في كل بقاع الأرض هذا العام الجديد، بين الأمل تارة، واليأس تارة أخرى، استقبلوه وأرجلهم على شفا هاوية سحيقة، وأيديهم متعلقة بحبال الأمل، ينظرون إلى عل لعل في الأمل عزاء، ويغمضون الأعين عن الهاوية خشية أن يصابوا بالدوار.
لقد جرب الانسان، حتى في أحداثه المنفردة، أن العيش في الخطر خير من انتظاره. فالانتظار يزعزع في النفوس كل رواسي الأمل، ويستشري المرض في جذور أشجاره، ولكن الخطر، وفي الخطر ذاته، أنه لا مناص من أن تقرر النفس مصيرها، وهي عالمة أن أمامها حلين، إما الأفول أو البزوغ.
للعلم وبالنظر للسوداوية التي يعج بها المقال، والكآبة التي تتقاذفها أحرفه، والسوداوية في الصياغة والتعبير، فأنا متفائل، فقط كنت حزينا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى