اخترت هذا الموضوع تمهيداً لبحث ضخم أقوم بإعداده، حول إحدى الحضارات والأعراق المختلفة التي استوطنت فيها، وكيف تطور الحال منذ قرون كثيرة وصولاً إلى العصر الحديث، لكن قبل ذلك وددت التعرف بهذا العلم، كمدخل بسيط أمهد من خلاله للموضوع القادم.
علم الأعراق، هو ما يُعرف باسم الأثنولوجيا فرع من الأنثروبولوجيا يبحث في أصول الشعوب المختلفة وخصائصها وتوزّعها وعلاقاتها بعضها ببعض، ويدرس ثقافاتها دراسةً تحليلية مقارنة كذلك الأمر.
بطبيعة الحال، أي إمبراطورية سابقة أو حضارة، نشأت وأفلت، فهي لا تشمل فقط من سكنها أو برع فيها أو أو، بل هي كل من خرج منها ونشر ثقافتها في أرجاء المعمورة، الدولة الحضارية هي الدولة التي لا تمثل فقط مَنطقة تاريخية أو مجموعة عرقية لغوية أو هيئة حكم، ولكنها تمثل حضارة فريدة بحد ذاتها، وهي تتميز عن مفهوم الدولة القومية، التي تتكون من منطقة تاريخية أو لغة أو مجموعة عرقية معينة، بأنها تُشكل فئة حضارية في حد ذاتها، لكن عند تصنيف الدول كدول حضارة، غالباً ما يتم التركيز على الاستمرارية التاريخية للبلد والوحدة الثقافية عبر منطقة جغرافية واسعة.
قد يكون ذلك من الناحية النظرية صحيح، لكن من وجهة نظري، تلعب البيئة الشيء الكثير من صقل شخصية الإنسان، لكن التحصيل المحصور في مربع جغرافي واحد يبقى ضعيفاً إن لم يتم إشباعه بتجارب الآخرين، هذا يأخذني تلقائياً كمثال، حول مدونّي الحديث النبوي الشريف، الذين جالوا في بلاد الله الواسعة، للتدقيق حول أصل الحديث وصحته، فضلاً عن المعارف الأخرى التي اكتسبوها من رحلاتهم وتنقلاتهم، ولقائهم العلماء من كل حدبٍ وصوب.
ومن المعروف أيضاً، أن الجغرافيا القديمة ضمت أعراق كثيرة هربت من واقع ما، واستقرت تلك الأرض، ففي أيامنا هذه نجد بعض العائلات في دول أخرى على سبيل المثال، تحمل العائلة لقب «الشامي، الحلبي، البيروتي، البغدادي، السامرائي، النجدي، .. إلخ»، نسبةً إلى الأصل الأول الذي قدموا منه، كذلك المهن حملت العائلات اسم المهنة وتوارثتها عبر الأجيال لتصبح شهيرة بها، مثل: «الحطاب، الصائغ، النجار، اللحام، إلخ»، وهي عائلات شهيرة منتشرة في أصقاع العالم العربي، على أقل تقدير، وهذه أمثلة ولست أشير فيها إلى أي من تلك العائلات التي لا تربطني بهم أي معرفة «اقتضى التوضيح».
وهناك الفئة الضالة برأيّ، التي تنسب نفسها إلى جهة لا تمت لها بِصلة، وتراها لو تستطع تغيير هويتها إلى جانب هواها لفعلت ذلك، ومرد ذلك من الناحية العقدية، والتتبع الديني والمذهبي، مع العلم أنا أعشق كل الدول العربية وأتمنى أن تكون لنا هوية جامعة، لكن هذا لا يلغي على الإطلاق فخري الأساس بنسبي العربي الكويتي، ومن ثم الدول الأخرى.
من هنا، في هذا المدخل البسيط وودت سرد جزء يسير من مشروع ضخم عدت فيه في البحث والتنقيب كما أشرت أعلاه إلى قرون ما قبل الميلاد وتتبعت تطور تلك الحضارة حتى عصرها الحديث وكيف تجزأت وأصبح لكل دولة منها هويتها الخاصة ومعتقدها الخاص لا بل وعاداتها وتقاليدها الخاصة، التي كانت يوماً من حضارة واحدة لا يفصل بينها شيء.
هناك ملحوظة من الضروري ذكرها، وهي أن البحث الجامع البعيد عن سياسة النسخ واللصق، ليس من باب المبالغة القول إنه يأخذ الوقت الطويل، لأن السرد التاريخي من وجهة نظر متواضعة باعتقادي هو ما يصل إلى القارئ البسيط الذي يحتاج منا إلى اهتمام بالغ، قبل أي شيء، لذا وجب التنويه.
هذا البحث ليس بالأمر اليسير، لكن يستحق عناء الاستكشاف في عوالم ربما مجهولة عن كثيرين، لكن واجبنا أن نحاول إحياء القديم بطريقة عصرية، للوصول إلى نتيجة ربما، هل لا زلنا نجمل شيئاً من أسلافنا، أم مع زوال الحضارات زال معها كل شيء؟ قريباً سنعرف بعض الحقائق المثيرة.