الشباب ربيع الحياة وزهرة الدنيا وبهجتها ،ولكنه مرحلة من مراحل العمر تنتهي عند حد معين، ثم يبدأ العد التنازلي لعمر الإنسان، فالشباب عارية مستردة، شئنا ذلك ام أبينا، وما هذا الشيب الذي نراه إلا رسل الموت والنذير العريان، ينذرنا بدنو آجالنا وقرب الرحيل، وبما أن الشيء بالشيء يذكر ،فالنذير العريان مثل يضرب لمن يحذر قومه من خطر داهم، والخطر الداهم هنا هو الموت الذي نفر منه، «أولم نعمركم في الأرض مايتذكر فيه من يتذكر وجاءكم النذير» فاطر : 37 ،ولله در صالح بن عبدالقدوس حيث يقول:
ذهب الشباب فما له من عودة
وأتى المشيب فأين منه المهرب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه
وازهد فعمرك راح منه الأطيب
قال قيس بن عاصم المنقري التميمي سيد أهل الوبر رضي الله عنه : الشيب خطام المنية، وقال أعرابي : كنت انكر البيضاء فصرت أنكر السوداء، فيا شر بدل، وقد أحسن يزيد بن الحكم الثقفي حيث يقول:
فما منك الشباب ولست منه
إذا سألتك لحيتك الخضابا
وما يرجو الكبير من الغواني
إذا ذهبت شبيبته وشابا
قال أبوعمرو بن العلاء: مابكت العرب شيئا مابكت الشباب ومابلغت كنهه، روي الإمام ابن الجوزي في كتابه روضة المشتاق والطريق الى الملك الخلاق أن بعض الانبياء عليهم السلام قال لملك الموت : أما لك رسول تقدمه بين يديك ليكون الناس على حذر منك؟ قال : بلى، لي والله رسل كثيرة من الأعلال والامراض والشيب والهموم وتغير السمع والبصر، فإذا لم يتذكر من نزل به ولم يتب، إذا قبضته ناديته : ألم أقدم إليك رسول بعد رسول، ونذير بعد نذير؟ فأنا الرسول الذي ليس بعدي رسول، وأنا النذير الذي ليس بعدي نذير، فما من يوم تطلع فيه شمس ولا تغرب إلا وملك الموت ينادي : ياأبناء الأربعين هذا وقت أخذ الزاد أذهانكم حاضرة وأعضاؤكم قوية شداد، ياأبناء الخمسين قد دنا وقت الأخذ والحصاد، ياأبناء الستين نسيتم العقاب وغفلتم عن رد الجواب فما لكم من نصير، وروي أن ملك الموت دخل على نبي الله داود عليه السلام، فقال : من أنت؟ قال : من لايهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولايقبل الرشا، قال داود : فإذا أنت ملك الموت، قال : نعم، قال : أتيتني ولم أستعد بعد؟، قال : ياداود، أين فلان قريبك؟ أين فلان حارك؟ قال : ماتوا، فقال : اما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد، فاللهم نسألك حسن الخاتمة وأن لاتقبضنا إلا وأنت راض عنا ودمتم سالمين.