المقالات

أمر مؤلم

شيء محزن وجلل ما احدثته زلازل تركيا لكنه وان كان قدرا الا انه سبيل لاستمرار عبث الانسان بالطبيعة ،ولا حول ولا قوة الا بالله لأن العبث سيتواصل والجلل سيتعاظم خاصة في ظل مايقال عن احتمال توظيف برمجيات في احداث اهتزازات تسبب الزلازل.

لطالما تمنيت شخصيا ان تقترب المسافات العربية الايرانية في الخليج الى حد الشراكة في كيان خليجي واحد مثل مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في أبو ظبي بمبادرة كويتية في عام 1981 ،او ان يتم ضم العراق واليمن وايران الى الاتحاد طبقا لتواجدهم الجغرافي وحقيقة مشاركتهم في مقدرات المنطقة وتاريخها وعلاقات شعوبها منذ الأزل. إلا أن الصراع الطائفي الذي نجحت القبائل اليهودية في غرسه في ثقافة شعوب المنطقة منذ أيام الخلافة الراشدة في استفحال في هذه المرحلة وتعدى الحدود واكتسب بعدا تحول بموجبه الى كره ونفور ورغبة في الانتقام والاقصاء والتكفير، يجعل من الصعب الثقة بايران وتصديق وعودها والرهان على العراق في ظل وضعه الولائي الحالي لقادة ايران الدينيين . وجاءت سلسلة الاحداث التي مرت بها المنطقة والتي ترافقت مع تنازل بريطانيا عن نفوذها لصالح واشنطن بما في ذلك الانقلابات والحروب وصناعة وضمان التفوق الإسرائيلي على كل دول المنطقة عسكريا وعلميا بغطاء دولي ، ليعظم الانقسام العربي العربي والخلاف العربي الإيراني. الا ان الحرب العراقية الإيرانية «1980-1988» وجريمة الغزو العراقي للكويت « 2 أغسطس 1990» والاجتياح الأميركي للعراق «19 مارس 2003» كشفت عورات العرب والإيرانيين على السواء. وفي كل الأحوال كانت القيادة لا الشعوب وراء تعاظم تفاقم ازمة التخوين وعدم الثقة والاستقصاء. فقد تقبلت الشعوب مشاريع التفرقة عن طيب خاطر
امتدادا لمشروع الفتنة الذي أرادوا به قتل الإسلام واجهاض الرسالة. ومن المفيد قبل العودة الى ماورد في مقال لاحق لبعض أوجه أسباب بقاء الخلاف العربي الإيراني ، الاستعانة ببعض شواهد التاريخ ، فيقال ان رجلا يدعى جارية بن قدامة السعدي دخل ذات يوم على الخليفة الاموي معاوية بن ابي سفيان وكان عند الخليفة ثلاثة من وزراء قيصر الروم . فسأل معاوية جارية :الست الساعي مع علي «يقصد الخليفة الراشد علي بن ابي طالب» في كل مواقفه؟ فرد عليه جارية: دع عنك علياً رضي الله عنه ، فما أبغضنا علياً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ نصحناه. قال معاوية: ويحك ياجارية، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية! فرد جارية: أهون على أهلك أنت الذين سموك معاوية. وهي الكلبة التي شبقت فعوت، فاستعوت الكلاب. فصاح معاوية: اسكت لا أم لك. فأجاب جارية: بل تسكت انت يا معاوية ،لي أم ولدتني وللسيوف التي لقيناك بها. وقد اعطيناك سمعا وطاعة على أن تحكم فينا بما أنزل الله. فإن وفيت، وفينا لك. وإن ترغب تركنا رجالاً شداداٍ ، وأدرعاٍ مداداً ماهم بتاركيك تتعسفهم أو تؤذيهم. فصاح فيه معاوية: لا أكثر الله من أمثالك. قال جارية: يا هذا « لم يقل يا أمير المؤمنين» قل معروفاُ ، وراعنا، فإن شر الرعاء الحطمنة. ثم خرج جارية دون أن يستأذن معاوية. فالتفت وزراء قيصر الروم الى الخليفة الأموي وقال أحدهم: ان قيصرنا لا يخاطبه أحد من رعاياه إلا وهو راكع. ملصقًا جبهتهُ عند قوائم عرشه. ولو علا صوت أكبر خاصته، لكان عقابه التقطيع عضواً عضواً. أو الحرق. فكيف بهذا الاعرابي الجلف بسلوكه الفظ، وقد جاء يتهددك، و كأن رأسه من رأسك؟ فابتسم معاوية، ثم قال: أنا أسوس رجالاً لا أسوس خرافاً، رجالاً لا يخافون في الحق لومة لائم. وكل قومي كهذا الاعرابي. ليس فيهم واحد يسجد لغير الله. وليس فيهم واحد يسكتُ على ضيم. وليس لي فضل على أحد إلا بالتقوى. ولقد آذيت الرجل بلساني فانتصف مني . وكنت أنا البادئ ، والبادئ أظلم.
ويقال ان أكبر وزراء القيصر بكى بحرقة فسأله معاوية عن سبب بكائه، فقال: كنا قبل اليوم نظن أنفسنا أكفاء لكم في المنعة والقوة. أما وقد رأيت في هذا المجلس ما رأيت، فانني أصبحت أخاف أن تبسطوا سلطانكم على حاضرة ملكنا ذات يوم. وجاء ذلك اليوم بالفعل وتهاوت بيزنطة تحت ضربات المسلمين، فكأنها بيت العنكبوت. فهل يعود المسلمون رجالاً لا يخافون في الحق لومة لائم؟. لماذا أهمل المسلمون قادة وشعوبا مسؤولياتهم أمام الله وانشغلوا او تفرقوا شعوباً لمحاربة بعضهم بعضا على أسس طائفية؟.
الحرب العراقية الإيرانية كارثة طائفية بحتة حلت بالعرب والمسلمين وليس بالمنطقة وحدها. مشروع أميركي لدوافع صهيونية زعم العراق وقتها انه يدافع عن الامة العربية بحماية بوابتها الشرقية، وادعت ايران انها تدافع عن ثورتها الإسلامية. هذه الحرب الملعونة ولدت وتركت خلفها مآسي سنحتاج الى عقود بعدها لندرك حجم وهول الجهل الذي كنا فيه ،الذي استغله المستفيدون الحقيقيون من الصراع المذهبي البغيض في العراق وايران أولاً ومن ثم في سوريا والعراق واليمن ولبنان ودول عربية مهمة وخليجية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى