المقالات

ظاهرة مرحلية ثم خلل دائم

من خلال متابعتنا لشؤون العالم السياسية والاقتصادية والتنموية وجدنا أن دول العالم قد انقسمت إلى قسمين، قسم في تطور دائم وقسم في تراجع وتخلف دائمين، أما التطور فله أسباب ليست موضوعنا اليوم، أما التخلف فتنحصر أسبابه في قلة الموارد وزيادة عدد الشعب وكبر حجم الدولة وترامي أطرافها، هذه هي الأسباب الرئيسية وهو ما يدفعنا للاستغراب ويثير لدينا سؤال مهم وهو لماذا دخلت الكويت في فريق الدول المتخلفة بالرغم من أن أسباب التخلف التي ذكرناها ليست متوافرة بها ؟ لا شك أن الخلل في مكان آخر.
لو نظرنا إلى الأوضاع التنموية في الكويت سنجد أنها على كل الأصعدة وعلى مر السنين تدرجت نزولاً من مستويات مرتفعة وصولاً للحضيض، فالدراسة لدينا كانت تستقطب الطلبة من الدول العربية ،ومستشفياتنا كانت أملا لكل مريض، وسياحتنا كانت هدف للسياح العرب والخليجيين وشوارعنا كانت مضرب للمثل ورعايتنا السكنية كانت تجذب لنا الحاسدين ،وديمقراطيتنا كانت حلم كل العرب. ثم جاء أصحاب النوايا السيئة وأصبح الاستيلاء على الأموال هو الهدف بدلاً من الإنجاز ،فانقلب حال البلد وأصبحنا ندرس في جامعات دول الخليج و نتعالج في مستشفيات دول الخليج ونذهب للسياحة في دول الخليج ونضرب المثل بشوارع دول الخليج ونشاهد سرعتهم بصرف الرعاية السكنية لرعاياهم ونحسدهم على انعدام الديمقراطية لديهم. طبعاً العيب ليس بالبرلمان ولا بالديمقراطية إنما هو بالممارسات السياسية التي أودت بالبلد كاملاً وليس بالديمقراطية فقط، كما إن هناك عيبا آخر وهو المواد الدستورية والقانونية البالية والتي أصبحت اليوم باباً للفساد والضياع بدلاً من أن تكون باباً للتطوير، وهذا موضوع يحتاج لمقالة مستقلة. المهم في الأمر أننا كنا بالأمس درة الخليج فأصبحنا اليوم تعاسة الخليج وتخلفه.
إن الخلل المستفحل في الكويت وجميع مرافقها وهيئاتها ووزاراتها والذي تحوّل من ظواهر مرحلية كان الشعب ينتظر تجاوزها إلى خلال (جمع خلل) دائمة ومستمرة إنما يدل على ان نوايا من يرسمون مستقبل البلد غير سليمة، فأصحاب النوايا السليمة إذا اصطدموا بظروف سلبية مرحلية فإنهم يساهمون بتجاوزها، أما أن يقوموا بتعزيزها ودعمها لتتحول لإضطرابات وخلال دائمة بهدف الاستفادة منها وتجييرها لخدمة مصالحهم الخاصة فهذا لا يدل على إن هذه المشاكل العالقة ستُحل، وهو ما يجعلنا نعيش حالة من اليأس من أن الأوضاع في البلد ستتغير للأفضل، لذلك نحن اليوم لا نريد حلحلة القضايا العالقة لأنها مع وجود أصحاب نوايا سيئة لم ولن تُحل، بل إننا نريد رسم سياسة جديدة للبلد تحكمها سلوكيات وممارسات جديدة لا تعتمد على الترضيات والمحاصصة وبيع الوطن لحفنة من المتنفذين والتجار، كما إننا نحتاج لتشريعات جديدة تحكم الوضع القائم في البلد بشكل سليم ويعتمد على المساواة الحقيقية والديمقراطية الكاملة. أخيراً وليس آخراً نحن بحاجة لترسيخ ثقافة المحاسبة إن كنا فعلاً نطمح لدولة قانون ومؤسسات حقيقية بدلاً من ثقافة «هذا ولدنا» والتي تحرّم محاسبة اللصوص والحرامية الذين ينتمون لفئة المتنفذين، غير ذلك .. لن يتغير الوضع في البلد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى