المقالات

التدليس في الحديث الشريف .. «رواية الضعفاء والثقات» «1-2»

يُبني المجتمع الإسلامي على نقاوة المشاعر، وحب المؤمنين وإخلاصهم، والوفاء بالوعود، بينما يعتبر كتمان عيب في الشيء حتى لا يعلمه المستفيد منه ضرب ضروب الغش والتدليس التي حذر منها الإسلام؛ لذلك لم يكتف النبي صلى الله عليه وآله سلم بإدانة أي نوع من الخداع بين أفراد المجتمع الإسلامي بشكل قاطع؛ بل أعلنه بشكل صريح وفي كثير من المناسبات.
فعلم التدليس يعدّ من أدق علوم الحديث؛ حيث يتناول علم الرجال ويؤثر في منزلة المحدث المدلس، وهو كذلك خفي غامض فيدخل في علم العلل، بهذا يتأثر به الإسناد بما حصل له من تدليس فيتضمن علم المصطلح، لما قد يكون سبباً في قبول أو رده.
والتدليس يكون بين القبول والرد من حيث صفة الراوي إذا كان ثقة ودلس عن الثقات أو وقع منه ما ندر في ذلك فلا تضره، بينما الحديث الروي المطعون فيه إذا اتصف بذلك فهي تؤثر في إسناده وقبول روايته.
فما هو التدليس؟
إن التدليس هو سياق الحديث بسند يوهم أنه أعلى مما كان عليه في الواقع إن التدليس في اللغة، يُحمل على معنيين: أولاً، الظلام أو الظلمة، وثانياً، إخفاء العيوب، لذلك نجد أن المحدثين استعملوا هذا المصطلح في وجه من حاول الإتيان بإسنادٍ مظلم، فيدلّسه موهماً قوته، واستعملوه فيمن حاول أن يخفي عيوب الإسناد، وهو المتعلق بإسناد التسوية، وإسناد الشيوخ.
أما التدليس اصطلاحاً: هو أن يروي عمن لقيهم ولم يسمع منهم، وقسّموه في الاصطلاح، إلى تدليس تسوية، وتدليس شيوخ، وتدليس إسناد، ثم بالغ الحافظ العراقي، وسمّاه تدليس عطفٍ وتدليس حذفٍ، وما إلى ذلك، وكل هذا يؤدي إلى شيء واحد بالنتيجة، وهو الثلاثة المذكورة أولاً.
بالعودة إلى أقسام التدليس، إن تدليس الإسناد فيعني أن يروي عمن لقيه كما قلنا أعلاه، ما لم يسمعه من قوله أو يره من فعله، بلفظٍ يوهم أنه سمعه أو رآه، مثل «قال أو فعل، أو عن فلان، أو أن فلان قال وفع، ونحو ذلك».
أما تدليس الشيوخ، فهو أن يسمي الراوي شيخه أو يصفه بغير ما اشتهر به، فيوهم أنه غيره، إما لكونه أصغر منه فلا يحب أن يظهر روايته عمّن دونه، وإما ليظن الناس كثرة شيوخه، وإما لغيرهما من المقاصد.
بالتالي، المدلسون كثيرون وفيهم الضعفاء والثقات، كحميد الطويل وسليمان بن مهران الأعمش، ومحمد بن إسحق، والوليد بن مسلم، وقد رتبهم الحافظ إلى خمس مراتب:
المرتبة الأولى: من لم يوصف به إلا نادراً، كيحيى بن سعيد.
المرتبة الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى، كسفيان الثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كسفيان بن عيينة.
المرتبة الثالثة: من أكثر من التدليس غير متقيد بالثقات، كأبي الزبير المكي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى