المقالات

المعري… لاجئ في باريس

ضاقت الدنيا بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، أبي العلاء المعري، ولم تعد هذه الأمة تتسع لرجل مثله، فهام على وجهه باحثاً عن قوم يكرمون وفادته، ويقدرون شيبته، فكانت الوجهة الى باريس، مدينة الجن والملائكة، التي استضافت رأس أبي العلاء المعري، وعمامته، ليواصل هناك صمته الأبدي، بعيداً عن بلدته المعرة، التي هام بها عشقاً في سالف العصر والأوان، وظلت معربشة على جدران روحه، حتى وهو بعيد عنها، ويحكى أنه كان يعطي طلابه درساً في أحد مساجد بغداد التي عاش فيها سنين عدة، وذات يوم جاءه احد جيرانه القدامى، يحمل معه قربة ماء من المعرة، وأراد ان يفاجئه فوضع امامه كأسا من ذلك الماء، وحين جف ريقه، رفع المعري الكأس وأخذ شربة فدارت به الدنيا، والتفت كأنه يحدث أحداً، متسائلاً والعبرة تخنقه: هذا ماؤها فأين هواؤها؟
لن يتذوق ابو العلاء بعد اليوم ماء المعرة، ولن يستنشق هواءها، ولن يتحلق حوله الصبية يتقافزون فرحا برؤية عالم بلدتهم وفيلسوفها ومفكرهم الكبير، فشوارع المعرة ملأى بالملتحين المدججين بالجهل والسيوف، يتصيدون أخطاء الناس ليقطعوا رؤوسهم في الساحات، ويبحثون عن مخطئ يجلدونه أمام الملأ، وينتظرون قافلة جديدة من حسناوات جهاد النكاح.
لا تندم على رحيلك يا أبا العلاء، فلم يعد مجدياً نوح باك، ولا ترنم شادي، ولم يعد احد يخفف الوطء رغم علمه بأن هذه الارض من هذه الاجساد.
لا تكتب قصائد عشق ببلدتك الجميلة، فرسائلك سوف يفتضها الوالي، ثم يقهقه ساخر ويرمي بها في سلة المحضيات.
لا تحزن لفراقنا، يا سيدي، فلم يعد بيننا من يستحق ذرف الدموع، وانتظر اخبارنا، فهناك مزيد من الهزائم والخيبات.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى