المقالات

سيدة زاهدة عابدة… أملاكها وقف شرعي

يعد الحب الشديد للمال من القواعد الثابتة وقلّما تجد موسرًا منفقًا عن طيب نفس إلا من رحم ربي ،وذلك شيء فطري متغلغل في النفس البشرية ،قال عنه الله سبحانه وتعالى في سورة العاديات : (وإنه لحب الخير لشديد)، ولعل حب المال في النساء أشد يعززه حب التملك، والسعيد من تخلص من شح نفسه وقدم المال لمستحقيه راضية به نفسه وأمثال هؤلاء كثير من الرجال والنساء، ومن بين النساء اللواتي كنّ مضرب المثل في ذلك إحدى بنات عُمان.
هي السيدة ثريا بنت محمد بن عزان بن علي البوسعيدية وهي من أحفاد الإمام أحمد بن سعيد، ولدت وتوفيت في عُمان وقد عرفت في المجتمع بالزاهدة العابدة المحسنة، وليس ذلك غريبًا على من تربت في بيت علم فجد أبيها الشيخ العلاّمة خلفان بن محمد البوسعيدي وهو أشهر من نار على علَم وابنه العلاّمة مهنا شيخ الزهد والفقه يعزى إليه الترتيب العلميّ والموسوعيّ لمصنّف «جامع ابن جعفر»، أثبت نسبها الشيخ سيف بن حمود البطاشي مؤلف كتاب «الطالع السعيد نبذ من تاريخ الإمام أحمد بن سعيد» .
عندما منّ الله عليها بالاستقلال المالي ما شحت بمالها وقد أوقفت أملاكها وعهدت بها لكفالة طلاب العلم الشرعي ومشايخهم وقد خصصت لذلك مقصورتين من أفضل ما تملك الأولى «مقصورة الرّمامين»، والثانية «مقصورة خرس الملح» ببوشر ( إحدى المدن في محافظة مسقط)، وأما المقصورة الثالثة أوقفتها لعمارة بيوت الله كمسجد (المقحم) المجاور لبيتها، والمقصورة هي الحديقة الغناء ذات الريع المالي الوافر لما فيها من الأشجار المثمرة.
قبل نحو ثلاثة قرون شيدت بيتها في بوشر في منطقة المقحم وقد عرف بـ»البيت الكبير» فهو كبير من حيث الحجم فلا يدانيه في التخطيط الهندسي ولا في التكوين المعماري بيت، حيث إنه جمع بين الطراز المدنيّ، والحصن العسكري، يراه الرأي في الوهلة الأولى وكأنه قلعة صغيرة بين المزارع المحيطة، وحال الولوج إليه يجده بيتًا مكونًا من ثلاثة طوابق يزينه اسطبل الخيول العربية ويجمله الفلج الذي خصص له، يحميه مرمى سهام اسطواني بني بهندسة حربية دقيقة.
وهو كبير من حيث الهبات والعطايا فأهله لا يردون سائلاً ولا يمنعون فقيرًا جائعًا، فمنذ استقرار السيدة ثريا فيه استقرت لأهل بوشر البركات وعمت الخيرات، واستبشر معلمو القرآن ووسع على طلاب العلم.
رحلت عن الدنيا رحمها الله وبقي بيتها شاهدًا لامرأة عاشت لله وظل الناس يذكرون لها من المعروف ما لا ينساه الزمان، وقد واصل سكان البيت الكبير مد يد العطاء، ومن يزور ولاية بوشر يشاهد ذلك البيت شاهقًا مخلدًا لصاحبته سيرة عاطرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى