المقالات

المحكمة الجنائية الدولية .. العدالة المفقودة «1-3»

من الناحية النظرية، هذا ممكن، لكنه عملياً غير مرجح للغاية، فمن حيث المبدأ، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بشكل أساسي للتعامل مع حالات العدوان العسكري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
أولاً، لم تصدق روسيا ولا أوكرانيا على قانون روما الأساسي، منذ عام 2014، اعترفت أوكرانيا باختصاص المحكمة الجنائية الدولية – وبالتالي يمكن للمحكمة التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي في البلاد «وهي تفعل ذلك بالفعل»، لكنه لا يستطيع أن يحكم رسمياً على الروس، إذ إن صدور قرار خاص من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيساعد في الالتفاف على هذه المشكلة – لكن روسيا هي العضو الدائم فيها، وبطبيعة الحال، ستستخدم حق النقض ضد مثل هذا القرار.
وحتى لو انتهى الأمر ببوتين في قفص الاتهام في لاهاي، فسيكون من المستحيل إدانته رسمياً ببدء الحرب: من وجهة نظر التقنية القانونية، هذه التهمة هي الأسهل لإثباتها، ولكن بدون التصديق على نظام روما الأساسي، لا يمكن إحضاره.
ثانياً، كانت هناك حالتان فقط في التاريخ الحديث حيث أصدرت محكمة دولية مذكرة توقيف بحق رئيس دولة في منصبه: محكمة يوغوسلافيا السابقة للرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في عام 1999؛ المحكمة الجنائية الدولية – بشأن الرئيس السوداني عمر البشير عام 2009، لكن ميلوسيفيتش انتهى به المطاف في لاهاي فقط بعد الإطاحة به. والبشير مسجون في السودان.
ثالثاً، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تبدأ المحاكمة في غياب المتهم، لأن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها محضريها المخولين بتقديم المتهمين إلى المحكمة قسراً، يمكن للمتهمين الاختباء لسنوات في بلادهم أو في بلدان صديقة، حيث أن أداة الضغط الوحيدة التي تمتلكها المحكمة الجنائية الدولية هي مذكرة توقيف، ويمكن لأي بلد ببساطة أن يرفض الامتثال له – ولن يتبع ذلك أي عقوبة، بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتعين على المحكمة الجنائية الدولية بشكل عام أن تتحمل معارضة سياسية نشطة، على سبيل المثال، البشير نفسه، بعد الإطاحة به، اختبأ لبعض الوقت في جنوب إفريقيا التي رفضت تسليمه إلى لاهاي.
رابعاً، مثل معظم المؤسسات الدولية الأخرى، تواجه المحكمة الجنائية الدولية مشكلة خطيرة تتعلق بالشرعية: لا تعترف «القوة المهيمنة» الأمريكية العالمية بولايتها القضائية على نفسها، حتى أن دونالد ترامب فرض عقوبات على المدعين العامين والقضاة في المحكمة الجنائية الدولية الذين كانوا يحققون في جرائم الحرب العسكرية الأمريكية في أفغانستان، كما عكست إدارة بايدن القرار، في الوقت نفسه، فإن السياسيين في واشنطن هم أكثر عرضة من غيرهم للوقوف في وجه محاكمة بوتين في لاهاي، حتى أن الرئيس الأمريكي يسمي الروس علانية بـ «مجرم حرب».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى