كتبنا هنا في الشاهد منذ أسبوعين تقريبا مقالا عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية المعروفة بانتهازيتها وتلونها ،وكنا نقصد جماعة الإخوان تحديدا، ومن لف لفهم من جماعات الإسلام السياسي، إلا أن الإخوان يعتبرون بلا شك الأبرز والأوضح في الساحة السياسية الكويتية والعربية، ذلك أنهم الأكثر تنظيما والأكثر صرامة في محاسبة منتسبيها متى ما خرجوا عن الخط العام للجماعة الذي تحدده مستويات عليا في إدارة الحركة. والحقيقة أنه قد وردتني تساؤلات عدة حول طبيعة هذا الإرهاب الفكري الذي يمارسونه، والدافع من ورائه. وهنا لعلي أجيب عنها أملا في توضيح بعض الأفكار التي لم يسعفني الوقت أو المكان في شرحها آنذاك.
لعلنا نذكر بادئ ذي بدء هذه الأسطوانة التي يرددها الإخوان المسلمين حول معاناتهم الكبيرة من سياسة تكميم الأفواه التي تمارسها الكثير من النظم السياسية عليهم، والحقيقة هي أنه إن كانت هذه النظم قد فعلت ذلك، فإنه يصعب تصديق ذلك في الكويت، فالكويت كانت وما زالت منارة حرة مفتوحة للكثير من الآراء إلى الحد الذي يجعلنا في موقع حسد من قبل الكثير من الدول المحيطة في إقليمنا العربي-الإسلامي، والحال أن جماعة الإخوان التي تزعم معاناتها من سياسة تكميم الأفواه، هي نفسها للأسف من يمارس هذه السياسة تجاه من يختلف معها في وجهات النظر أو المصالح بشراسة أكبر وبأدوات مختلفة. هي عقدة نفسية إلى حد كبير، فمن ينظر لهذا العالم من حوله على أنه مصدر تهديد له، لا يمكن له أن يدخل في حوار معه، ولا يمكن له في أفضل الأحوال التعامل معه بشكل طبيعي.
هذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه هذه الجماعة، والذي يستخدم أمورا كثيرة منها تشويه السمعة، التحريض، شحن الرأي العام يصب في مجمله في هدف واحد هو إقصاء هذا الرأي المخالف لهم والعزل الاجتماعي لهذا الشخص المختلف عنهم. ربما كان ذلك عقدة نفسية جمعية كما أشرنا سابقا، فما مرت به الحركة في تاريخها من عنف ظالم مورس ضدها قد غير من نظرتها للعملية السياسية برمتها فلجأت لأساليب خفية ومؤامرات وتقية غريبة هي على أقل تقدير مستهجنة في الساحة السياسية-الفكرية، خاصة من قبل جماعة تدعي دائما تميزها بأنها حركة فكرية-سياسية.
لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة كبيرة لهذه الجماعات فأصبحت تستخدمها باحترافية لا في ممارسة هذا الإرهاب الفكري فقط ضد خصومها، بل في تجنيد الشباب واحتوائهم وتعبئتهم ،كما كان الأمر في حركات الاحتجاج الشعبي والثورات في فترة ما أطلق عليه «الربيع العربي»، فكان هناك بعض الحسابات الإلكترونية التي تحرك الجموع والحشود الكبيرة دون أن نعرف مصدرها أو مكانها. أما بعد الربيع العربي، فلقد أصبح هناك دورا سياسيا واضحا لوسائل التواصل الاجتماعي هذه، فعن طريق الهاشتاغات المفبركة والهجمات المدروسة من قبل بعض المغردين المشهورين تقوم هذه الجماعات بإيهام متخذ القرار أو المسؤول أو الوزير بمعارضة الناس لقراراته – وهي في الغالب تلك القرارات التي تضر بمصالحها – وبأن الناس سوف تثور عليه في حال قيامه باتخاذه؛ وهكذا يتم إجهاض كل القرارات الحيوية ويتم تدريجيا التحكم بهذا الوزير أو هذا المسؤول. وبالنظر لحالة عدم الاستقرار السياسي التي نمر بها منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث يحاول الوزير أن يتشبث بمنصبه لأطول فترة ممكنة نجده يرفع راية استسلامه لهذه الجماعات مضحيا بالقيمة الأكبر: الوطن.