بالانتقال إلى لبنان، لا يزال المشهد اللبناني على حاله، الجديد فيه، استثمار ما حدث مؤخراً في دول الإمارات العربية من بعض الأفرقاء السياسيين، واتهام إيران، اعتقاداً منهم أن ذلك قد يقربهم من دول الخليج، مع الإشارة إلى أن تبعات هذا الأمر لا صلة لها بالموقف الخليجي بالنسبة للبنان، فقد توضحت أسباب المقاطعة الأخيرة، على الرغم من أنها صعبة وقاسية على الشعب اللبناني، لكن يجب التفكير مليّاً بالأبعاد السياسية، فلكل دول سياسة خارجية ترسم أبعاد تحالفاتها ضمن الأطر المرسومة لها، صحيحة كانت أم خاطئة، هذا أمر يحدده صانعو القرار في كل بلد، مع إشارةٍ أخرى وهي أنه لا يمكن فصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة ككل، إلا أن لبنان على موعد مع الانتخابات كما أعلن الرئيس اللبناني في مايو المقبل «2022»، فقد تكون فرصة لاستقرار هذا البلد، وأما المصالحة مع دول الخليج، من المؤكد أنها أيضاً لن تطول، لكن كما ذكرت آنفاً هذا أمر تحدده كل بلد وسياستها الخارجية تجاه هذا الملف، فنحن هنا نُبدي الرأي، لكن القرار أولاً وأخيراً لأصحاب الشأن، مع الأمنيات الطيبة لأن تنقشع هذه الغمامة ويعود البيت العربي واحد كما كنا نعيش.
ومع المشهد السوري، الذي فيه من التطورات الكثير، ربطاً مع زيارة مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، ألكسندر لافرنتييف، إلى الرياض ولقائه سمو الأمير، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومن ثم زيارته لدمشق، ملف مترابط وكأنه فيما يُقرأ من عنوانه بأن روسيا ترعى ملف الشرق الأوسط للتقريب بين الدول، خاصة وأن التطبيع بين الرياض ودمشق، يعيقه شرط واحد وهو التواجد الإيراني في سوريا، فإن تحقق هذا الشرط يبدو لا عوائق تعيق هذا التطبيع، لكن مع استمراريته حالياً لا تطبيع مرتقب، فزيارة لافرنتييف يبدو أنها تصب في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء، مع الإشارة إلى أن الرياض احتضنت أكثر من اجتماع لمسؤولين سوريين، ولا أعتقد أن المملكة متعنتة في هذا الأمر، لكن لها حساباتها ولها ظروفها، فكما انتقت على سبيل المثال دولة الإمارات الوقت المناسب للتطبيع مع دمشق، فالمملكة أيضاً لها ظروفها التي من خلالها ستختار الوقت الذي يناسبها للإقدام على هذه الخطوة، ولا أعتقد أنها تحتاج إلى تدخلات خارجية خاصة مع تقارب بعض الدول الخليجية مع سوريا مثل الإمارات وسلطنة عمان، ونسبياً البحرين، بالتالي هذا الأمر حسمه يعود لعامل الوقت أكثر منه للأمور الأخرى.
يُضاف إلى ذلك، أن هناك من الملفات وترتيبها من مهم إلى أهم بالنسبة للمملكة العربية السعودية، مع الحفاظ على الملفات الأخرى على سوية واحدة، لكن طرق المعالجة تحتاج بعض الصبر لكل ما يمكن تأجيله، ولنقل إن الملف السوري يرتبط بالدرجة الأولى مع الحديث لعودتها إلى جامعة الدول العربية، وحضورها للقمة العربية المتقبة في مارس المقبل «2022» في الجزائر، وسط ترحيب عربي واسع لعودتها، فباعتقادي هذا الأمر ربما يتم حسمه سلباً أم إيجابياً في ذاك الموعد، ولحينها، ربما يتم حسم الملفات الأخرى مع الإشارة إلى أن كل الملفات العربية مرتبطة بعضها ببعض، ولا يمكن فصلها عن بعضها الآخر، فالتسويات العربية يجب أن نبقى داخل البيت العربي ولا حاجة للآخر، إذ يكفينا كل التدخلات الخارجية التي عصفت بنسيجنا الواحد حتى الآن.
من هنا، إن الإرهاب الذي ضرب الدول العربية والحروب والاقتتال، غيّر من خارطة التحالفات بلا شك، وحدثت تحولات كبيرة في المشهد العربي ككل، واستثمر الغرب هذه الظروف وزاد تفاقم الازمات، واستغلها إن كان احتلالاً أو تدخلاً، لكن الحسم الأول والأخير سيحدث إن تم تذليل الصعاب من داخل البيت العربي، هذه قناعتي الوحيدة، لأن الخارج يعمل وفقاً لمصالحه بعيداً عن المصلحة العربية، ولو كان يعمل وفق أجندة يريد منها إنهاء الأزمات، لما طالت كل هذه السنوات، السعودية لطالما كانت الدولة العربية الأم بالنسبة لكل الدول العربية، وكل ما حدث سابقاً ليس أكثر من سحابة صيف، والإخوة دائماً يتصافون ويفتحون صفحة جديدة لإعادة لم الشمل وصلة الرحم، ولا أحد يستطيع أن يغير تلك الحقيقة.