المقالات

ذرية بعضها من بعض خير زاهد وعابد ومفسر للقرآن الكريم

وأنا أتأمل قول الشاعر: «لكل زمان دولة ورجال» يتمثل أمام ناظري الخط المتواصل لعطاء هذا البلد العريق _ الغبيراء _ وأن لها في كل حقبة من الزمان رجالا حملوا على عاتقهم الانقياد المطلق لله، والسعي الحثيث للنجاة ببني جلدتهم من السقوط في الهوة السحيقة للجهل، غير مشتغلين بالتزلف إلى الحكام، فالقيام بالحق منتهى أملهم.
إن الشَّيخ العّلامة سعيد بن أحمد بن سعيد الكندي النزوي، أحد هؤلاء العظماء الذين ينطبق عليهم قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم «ذرية بعضها من بعض» فالشَّيخ من بيت علم ومن أسرة اشتهرت بالتقى، ولد في العقد الثالث من القرن الثاني الهجري في ردّة نزوى بداخلية عمان، رباه والداه تربية حسنة، وأخذ العلم عن الشَّيخ سعيد بن بشير الصحبي، والشَّيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي، وقد تعلم على يديه ابنه الشَّيخ سليمان والشَّيخ محمد بن عامر الكندي والشَّيخ عبد اللَّه من محمد الكندي، ألقى عصا الترحال في قرية الهجار بوادي بني خروص وشُغل بالتدريس فترة من الزمان، ثمَّ انتقل إلى نخل واستوطنها إلى أن لقي الله سنة 1206هـ، وقد ناهز الثمانين من عمره ودفن فيها.
عاصر الشَّيخ الكندي كبار علماء عصره وقد شهدوا له بالفضل والعلم، وقد قال له الشَّيخ الرئيس جاعد بن خميس الخروصي: «وإنك في العلم أنت المنتهى وأنا المبتدي، وشتان بينهما»، وينص ابن رزيق أن الشَّيخ جاعد أحد تلامذة الشَّيخ الكندي الذي كان صادحاً بالحق آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وبينه وبين الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مراسلات جلها في النصائح والإرشاد.
من أخبار زهده رحمه الله أن السيد خلفان بن محمد البوسعيدي كان يرسل إليه رسلاً معهم دراهم في فترات متباعدة والشَّيخ يضع الدراهم تحت البساط الذي يجلس عليه، ولما عزم على السفر بعـث كتاباً إلى السيد خلفان وفيه: إن دراهمكم تحت البساط فخذوها وجزيتم خيراً، فلما مـضـى السيد خلفان إلـى البيت أمر بطي البساط فوجد كل العطايا تحته ولم ينقص منها درهماً واحداً، فقال: لله در الشَّيخ إنـه فريد دهره في علمه وزهده وفخره.
ومن رسائله النفسية في الحض على التعلم والتعليم ما كتبه إلى أحد المتعلمين فقال له: «وإني أحثك أيها الولد علـى التعليم، لأن الله تبارك وتعالى تعبدك بحمل أمانة عرضها علـى الـسموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، ولم يكـن لنا ولا لك تخيير أن نحملها أو نتركها، ولم تقدر على حملها وحفظها ورعايتها، إلا بالعلم، ولم يكن لنا علم إلا بالتعليم.. ألخ».
لقد خلف لنا الشَّيخ علماً غزيراً أعلاه تفسيره للقرآن الكريم «التفسير الميسر» وله تعليقات على تفسير الثعالبي والرازي وغيرها.
للتوسع يرجع إلى الصحيفة القحطانية للشيخ أبن رزيق النخلي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى